الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وليس للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه ؛ لأن الميت لم يرض الموصى إليه الآخر " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أوصى إلى رجل بإنفاذ وصاياه والولاية على الأطفال ، ثم حضرت الوصي الوفاة ، لم يكن له أن يوصي بتلك الوصية إلى غيره .

وقال أبو حنيفة : " إن أوصى بها إلى غيره جاز ، ولو أوصى بإخراج ثلثه كان لوصيه القيام بتلك الوصية وإن لم يأمره بها ، استدلالا بأمرين :

أحدهما : أن الوصي قد ملك من النظر بالوصية مثلما ملك الجد من النظر بنفسه ، فلما جاز للجد أن يوصي بما إليه من النظر ، جاز للوصي أن يوصي إليه بما إليه من النظر . والثاني : أن ولاية الوصي عامة في حق الموصي كما أن ولاية الإمام عامة في حقوق الأمة ، فلما كان للإمام أن يستخلف بعده من يقوم مقامه ، جاز للوصي أن يستخلف بعده من يقوم مقامه .

ودليلنا شيئان : أحدهما : أن من كانت نيابته عن عقد بطل بالموت كالوكيل ، والثاني : أن استنابته حيا أقوى من استنابته ميتا ، فلما لم يصح منه إبدال نفسه بغيره في الحياة ، فأولى ألا يصح منه إبدال نفسه بغير الوفاة .

فأما الجد فولايته بنفسه ، فجاز أن يوصي ، كالأب وليس كذلك الوصي ؛ لأن ولايته بغيره فلم يجز أن يوصي كالحاكم ، على أن نظر الحاكم أقوى لعمومه .

وأما الإمام : فيجوز أن يستخلف بعده إماما ينظر فيما كان إليه من أمور المسلمين ، كما فعل أبو بكر في استخلاف عمر - رضوان الله عليهما - ؛ لأنه عام الولاية وليس لغيره معه ما إليه ، فجاز أن يختص لفضل نظره بالاستخلاف كما لم يبطل بموته ولاية خلفائه من القضاة والولاة ، ومن كان خاص النظر بطل بموته ولاية خلفائه كالقضاة والولاة ، على أن من أصحابنا من جعل صحة استخلاف الإمام بعده لإمام معتبرا برضى أهل الحل والعقد ، ورضاهم أن [ ص: 340 ] يعلموا به فلا ينكروه ، كما علمت الصحابة باستخلاف عمر - رضي الله عنه - فجعل إمساكهم عن الإنكار رضا به انعقدت به الإمامة له .

فعلى هذا الوجه لو استخلف إماما بعده ولم يعلم به أحد من أهل الحل والعقد ، لم يصح استخلافه ولم تنعقد إمامته إلا أن يجمع عليه ويرضى بعد موت الأول ممن يصح اختياره من أهل الحل والعقد .

وعلى الوجه الأول قد انعقدت إمامته وإن لم يعلموا به عند العهد ولم يتفق عليه أهل الاختيار بعد الموت إذا كان ممن يصح أن يكون إماما ، وإذا كان كذلك فالولايات تنقسم ثلاثة أقسام :

ولاية حكم ، وولاية عقد ، وولاية نسب .

فأما ولاية الحكم فضربان : عامة ، وخاصة . فالعامة : الإمامة ولا تبطل بموت من يقلدها ، ولاية مستخلف ولا نظر مستناب .

وأما الخاصة : فالقضاء ويبطل بموت من يقلده ولاية لمستخلف ونظر كل مستناب .

وأما ولاية العقد : فضربان : عقد يتضمن نيابة عن حي ، وعقد يتضمن نيابة عن ميت .

فالذي يتضمن النيابة عن الحي هو الوكالة ، فإن مات الموكل بطلت ، وإن مات الوكيل لم تكن له الوصية .

والذي يتضمن النيابة عن الميت هو الوصية ، فإذا مات الموصي استقرت ولاية الوصي ، وإن مات الوصي لم يكن له أن يوصي .

وأما ولاية النسب : فضربان : عامة ، وخاصة .

فالعامة : ولاية الأب والجد على صغار ولده وتصح منه عند الموت الوصية .

والخاصة : ولاية العصبات في الأبضاع ولا تصح فيه عند الموت الوصية .

التالي السابق


الخدمات العلمية