الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين ، أو غنم العسكر ولم تغنم واحدة منهما شركوهم لأنهم جيش واحد وكلهم ردء [ ص: 427 ] لصاحبه وقد مضت خيل المسلمين فغنموا بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العساكر بحنين فشركوهم وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن لو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركوهم وإن كانوا منهم قريبا : لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم فلا يشركهم أهل المدينة ، ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدوهم فغنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون ، فإذا اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، وللسرايا المتقدمة على الجيوش حالتان :

إحداهما : أن تسري من جملة جيش خارج في الجهاد .

والثانية : أن تسري من جملة جيش مقيم .

فأما الحالة الأولى وهي أن تسري من جملة جيش خارج في الجهاد ، فصورتها أن يخرج الإمام لجيشه ، أو يستخلف على الجيش أميرا فينفذ السرايا من جملة الجيش الخارج ، ففيه ثلاث مسائل :

فالمسألة الأولى : أن يتقدم من جملته سرية واحدة إلى بعض الجهات : فتكون السرية والجيش شركاء بجميع ما غنموه ، فإن غنمت السرية شاركهم الجيش ، وإن غنم الجيش شاركتهم السرية ، وسواء كان تفرد السرية إلى الجهة التي يقصدها الجيش أو إلى غيرها ، وهذا قول الجمهور .

وقال الحسن البصري : يتميز حكم السرية عن الجيش ، ويختص كل واحد منهما بما غنمه استدلالا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا خطأ : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين هزم هوازن بحنين أسرى قبل أوطاس سرية غنمت فقسم غنائمهم في الجميع .

وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ، فأخبر أن السرايا ترد على القاعد ؛ ولأنهم جيش واحد وكل واحد منهما رد لصاحبه ، ألا ترى أن الجيش إن احتاج إليها رجعت إليه ، وإن احتاجت إليه لحق بها .

والمسألة الثانية : أن ينفذ من الجيش سريتين إلى جهة واحدة في طريق واحد أو طريقين ، فيكون الجيش والسريتان جيشا واحدا إن غنمت السريتان اشتركتا مع الجيش ، وإن غنمت إحداهما شركتها الأخرى والجيش ، وإن غنم الجيش شاركته السريتان لما ذكرنا من النص والتعليل .

[ ص: 428 ] والمسألة الثالثة : أن ينفذ سريتين إلى جهتين مختلفتين فتكون السريتان مشاركتين للجيش والجيش مشاركا للسريتين ، وهل تكون إحدى السريتين مشاركة للأخرى أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : تكون مشاركة لها : لأنها من جملة جيش واحد ، فصار الكل جيشا واحدا .

والوجه الثاني : أن لكل واحدة من السريتين حكم نفسها لا تشارك الأخرى ولا يشاركها : لأن الجيش أصل السريتين وليست إحدى السريتين أصل للأخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية