الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين ، أو غنم العسكر ولم تغنم واحدة منهما شركوهم لأنهم جيش واحد وكلهم ردء [ ص: 427 ] لصاحبه وقد مضت خيل المسلمين فغنموا بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العساكر بحنين فشركوهم وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن لو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركوهم وإن كانوا منهم قريبا : لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم فلا يشركهم أهل المدينة ، ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدوهم فغنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون ، فإذا اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، وللسرايا المتقدمة على الجيوش حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن تسري من جملة جيش خارج في الجهاد .

                                                                                                                                            والثانية : أن تسري من جملة جيش مقيم .

                                                                                                                                            فأما الحالة الأولى وهي أن تسري من جملة جيش خارج في الجهاد ، فصورتها أن يخرج الإمام لجيشه ، أو يستخلف على الجيش أميرا فينفذ السرايا من جملة الجيش الخارج ، ففيه ثلاث مسائل :

                                                                                                                                            فالمسألة الأولى : أن يتقدم من جملته سرية واحدة إلى بعض الجهات : فتكون السرية والجيش شركاء بجميع ما غنموه ، فإن غنمت السرية شاركهم الجيش ، وإن غنم الجيش شاركتهم السرية ، وسواء كان تفرد السرية إلى الجهة التي يقصدها الجيش أو إلى غيرها ، وهذا قول الجمهور .

                                                                                                                                            وقال الحسن البصري : يتميز حكم السرية عن الجيش ، ويختص كل واحد منهما بما غنمه استدلالا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا خطأ : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين هزم هوازن بحنين أسرى قبل أوطاس سرية غنمت فقسم غنائمهم في الجميع .

                                                                                                                                            وروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ، فأخبر أن السرايا ترد على القاعد ؛ ولأنهم جيش واحد وكل واحد منهما رد لصاحبه ، ألا ترى أن الجيش إن احتاج إليها رجعت إليه ، وإن احتاجت إليه لحق بها .

                                                                                                                                            والمسألة الثانية : أن ينفذ من الجيش سريتين إلى جهة واحدة في طريق واحد أو طريقين ، فيكون الجيش والسريتان جيشا واحدا إن غنمت السريتان اشتركتا مع الجيش ، وإن غنمت إحداهما شركتها الأخرى والجيش ، وإن غنم الجيش شاركته السريتان لما ذكرنا من النص والتعليل .

                                                                                                                                            [ ص: 428 ] والمسألة الثالثة : أن ينفذ سريتين إلى جهتين مختلفتين فتكون السريتان مشاركتين للجيش والجيش مشاركا للسريتين ، وهل تكون إحدى السريتين مشاركة للأخرى أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تكون مشاركة لها : لأنها من جملة جيش واحد ، فصار الكل جيشا واحدا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن لكل واحدة من السريتين حكم نفسها لا تشارك الأخرى ولا يشاركها : لأن الجيش أصل السريتين وليست إحدى السريتين أصل للأخرى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية