الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " فقد مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - بأبي هو وأمي - فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه ، فمنهم من قال يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى معه ؛ لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمي له سهم من الصدقات فلم يوجد رد على من سمي معه ، وهذا مذهب يحسن ، ومنهم من قال يضعه الإمام حيث رأى على الاجتهاد للإسلام وأهله ، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح ، والذي أختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله ، من سد ثغر ، أو إعداد كراع ، أو سلاح ، أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزيز الإسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام حنين نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل حاجة وفضل ، وأكثرهم أهل حاجة ونرى ذلك كله من سهمه ، والله أعلم .

ومما احتج به الشافعي في ذوي القربى أن روى حديثا عن ابن أبي ليلى قال : لقيت عليا - رضي الله عنه - فقلت له : بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس ؟ فقال علي : أما أبو بكر - رحمه الله - فلم يكن في زمانه أخماس ، وما كان فقد أوفاناه ، وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاءه مال السوس والأهواز ، أو قال مال فارس ( الشافعي يشك ) وقال عمر في حديث مطر أو حديث آخر : إن في المسلمين خلة ، فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه ، فقال العباس : لا تطمعه في حقنا ، فقلت يا أبا الفضل ألسنا من أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين ؟ فتوفي عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه . وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر - رضي الله عنه - قال : لكم حق ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله ، فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم ، فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله .

( قال الشافعي ) - رحمه الله - للمنازع في سهم ذي القربى : أليس مذهب العلماء في القديم والحديث أن الشيء إذا كان منصوصا في كتاب الله مبينا على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بخبر الثقة لا معارض له في إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - غنيا لا دين عليه في إعطائه العباس بن عبد المطلب ، وهو في كثرة ماله يعول عامة بني المطلب دليل على أنهم استحقوا بالقرابة لا بالحاجة كما أعطى الغنيمة من حضرها لا بالحاجة ، وكذلك من استحق الميراث بالقرابة لا بالحاجة ، وكيف جاز لك أن تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول هي بخلاف ظاهر القرآن وليست مخالفة له ، ثم تجد سهم ذي القربى منصوصا في آيتين من كتاب الله تعالى ومعهما سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترده ؟ أرأيت لو عارضك معارض فأثبت سهم ذي القربى وأسقط اليتامى والمساكين وابن السبيل ما حجتك عليه إلا كهي عليك " .

[ ص: 441 ] قال الماوردي : قد مضى الكلام في ثبوت سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في خمس الفيء والغنيمة وأنه لا يسقط بموته .

واختلف الناس في مصرفه ، فحكى الشافعي فيه مذاهب ، فمنه من جعله مصروفا إلى الإمام القائم بالأمر من بعده ، ومنهم من جعله لورثته ، ومنهم من جعله مصروفا في الكراع والسلاح خاصة ، ومذهب الشافعي أن سهمه مصروف في مصالح المسلمين العامة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ، ولأنه قد كان ما فضل منه في حياته بعد فوت سنة يصرفه في إعزاز الدين ومصالح المسلمين ، فكذلك حكمه بعد موته .

فأما ما استدل به الشافعي في ثبوت سهم ذي القرابة فقد ذكرناه واستوفينا حكم كل سهم من السهام الخمسة بما أغنى عن الإعادة ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية