الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فقد مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - بأبي هو وأمي - فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه ، فمنهم من قال يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى معه ؛ لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمي له سهم من الصدقات فلم يوجد رد على من سمي معه ، وهذا مذهب يحسن ، ومنهم من قال يضعه الإمام حيث رأى على الاجتهاد للإسلام وأهله ، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح ، والذي أختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله ، من سد ثغر ، أو إعداد كراع ، أو سلاح ، أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزيز الإسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام حنين نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل حاجة وفضل ، وأكثرهم أهل حاجة ونرى ذلك كله من سهمه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            ومما احتج به الشافعي في ذوي القربى أن روى حديثا عن ابن أبي ليلى قال : لقيت عليا - رضي الله عنه - فقلت له : بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس ؟ فقال علي : أما أبو بكر - رحمه الله - فلم يكن في زمانه أخماس ، وما كان فقد أوفاناه ، وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاءه مال السوس والأهواز ، أو قال مال فارس ( الشافعي يشك ) وقال عمر في حديث مطر أو حديث آخر : إن في المسلمين خلة ، فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه ، فقال العباس : لا تطمعه في حقنا ، فقلت يا أبا الفضل ألسنا من أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين ؟ فتوفي عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه . وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر - رضي الله عنه - قال : لكم حق ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله ، فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم ، فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله .

                                                                                                                                            ( قال الشافعي ) - رحمه الله - للمنازع في سهم ذي القربى : أليس مذهب العلماء في القديم والحديث أن الشيء إذا كان منصوصا في كتاب الله مبينا على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بخبر الثقة لا معارض له في إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - غنيا لا دين عليه في إعطائه العباس بن عبد المطلب ، وهو في كثرة ماله يعول عامة بني المطلب دليل على أنهم استحقوا بالقرابة لا بالحاجة كما أعطى الغنيمة من حضرها لا بالحاجة ، وكذلك من استحق الميراث بالقرابة لا بالحاجة ، وكيف جاز لك أن تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول هي بخلاف ظاهر القرآن وليست مخالفة له ، ثم تجد سهم ذي القربى منصوصا في آيتين من كتاب الله تعالى ومعهما سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترده ؟ أرأيت لو عارضك معارض فأثبت سهم ذي القربى وأسقط اليتامى والمساكين وابن السبيل ما حجتك عليه إلا كهي عليك " .

                                                                                                                                            [ ص: 441 ] قال الماوردي : قد مضى الكلام في ثبوت سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في خمس الفيء والغنيمة وأنه لا يسقط بموته .

                                                                                                                                            واختلف الناس في مصرفه ، فحكى الشافعي فيه مذاهب ، فمنه من جعله مصروفا إلى الإمام القائم بالأمر من بعده ، ومنهم من جعله لورثته ، ومنهم من جعله مصروفا في الكراع والسلاح خاصة ، ومذهب الشافعي أن سهمه مصروف في مصالح المسلمين العامة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ، ولأنه قد كان ما فضل منه في حياته بعد فوت سنة يصرفه في إعزاز الدين ومصالح المسلمين ، فكذلك حكمه بعد موته .

                                                                                                                                            فأما ما استدل به الشافعي في ثبوت سهم ذي القرابة فقد ذكرناه واستوفينا حكم كل سهم من السهام الخمسة بما أغنى عن الإعادة ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية