الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 529 ] مسألة : قال الشافعي : " ولو ضاقت السهمان قسمت على الجوار دون النسب ، وكذلك إن خالطهم عجم غيرهم فهم معهم في القسم على الجوار ، فإن كانوا أهل بادية عند النجعة يتفرقون مرة ويختلطون أخرى ، فأحب إلي لو قسمها على النسب إذا استوت الحالات ، وإذا اختلفت الحالات فالجوار أولى من النسب . وإن قال من تصدق إن لنا فقراء على غير هذا الماء وهم كما وصفت يختلطون في النجعة ، قسم بين الغائب والحاضر . ولو كانوا بالطرف من باديتهم فكانوا ألزم له ، قسم بينهم وكانت كالدار لهم ، وهذا إذا كانوا معا أهل نجعة لا دار لهم يقرون بها ، فأما إن كانت لهم دار يكونون لها ألزم ، فإني أقسمها على الجوار بالدار . ( وقال في الجديد ) : إذا استوى في القرب أهل نسبهم وعدى ، قسمت على أهل نسبهم دون العدى ، وإن كان العدى أقرب منهم دارا ، وكان أهل نسبهم منهم على سفر تقصر فيه الصلاة قسمت على العدى إذا كانت دون ما تقصر فيه الصلاة : لأنهم أولى باسم حضرتهم . وإن كان أهل نسبهم دون ما تقصر فيه الصلاة ، والعدى أقرب منهم قسمت على أهل نسبهم : لأنهم بالبادية غير خارجين من اسم الجوار ، وكذلك هم في المنعة حاضرو المسجد الحرام " .

قال الماوردي : لهذه المسألة مقدمتان :

إحداهما : أن الصدقة إن قسمها العامل لزمه أن يقسمها على جميع أهل السهمان ، ولا يجوز أن يقتصر من كل صنف على طائفة حتى يقسمها على جميعهم ، وإن قسمها رب المال جاز أن يقتصر من كل صنف على طائفة أقلها ثلاثة ، ولا يلزمه أن يفرقها في جميع الصنف إلا أن تتسع صدقته لجميعهم فيلزمه مع الاتساع أن يفرقها في الجميع ، والفرق بين العامل وبين رب المال ما قدمناه ، فإن العامل يقسم جميع الصدقات فيلزمه أن يقسمها في جميع أهل السهمان ، ورب المال يقسم بعض الصدقات ، فجاز أن يقسمها في بعض أهل السهمان .

والمقدمة الثانية : أن نقل الصدقة عن مكانها لا يجوز إذا وجد فيه أهلها ، وإن نقلت فقد أساء ناقلها . وفي إجزائها قولان .

فإن عدم أهل السهمان في مكانهما نقلت إلى أقرب البلاد به .

فإذا تقررت هاتان المقدمتان فلا يخلو قسم الصدقات من أن يتولاه رب المال أو العامل ، فإن تولاه العامل ، فلا يخلو أن يكون صدقات أمصار أو بواد ، فإن كانت صدقات أمصار لزمه أن يقسم صدقة كل مصر في أهله وأهل المصر من اشتمل عليهم بنيانه وأحاط بهم سوره . فأما من خرج عن سوره ولم يتصل ببنيانه ، فإن كانوا على مسافة يوم وليلة فصاعدا لم تكن لهم في زكاة ذلك المصر حق لكونهم من المصر على سفر يقصر فيه الصلاة ، فلم يجز أن يضافوا إليه ، وإن كانوا على مسافة أقل من يوم وليلة ، ففيهم وجهان لأصحابنا :

[ ص: 530 ] أحدهما : أنهم مستحقون لصدقات المصر وهم كسكانه في أن الخارج إليهم لا يكون مسافرا يستبيح القصر .

والوجه الثاني : أنه لا حق لهم في صدقاته : لأنه لا يجوز أن يضاف إلى بلد من ليس فيه . والذي أراه مذهبا وهو أصح عندي من هذين الوجهين : أن ينظر في الخارج عن المصر ، فإن كان ممن يلزمه حضوره كصلاة الجمعة كان مضافا إلى أهله في استحقاق صدقاتهم كما كان مضافا إليهم في وجوب الجمعة عليه في مصرهم ، وإن كان ممن لا يلزمه حضور المصر لصلاة الجمعة لم يكن مضافا إلى أهله في استحقاق صدقاتهم كما لم يضف إليهم في وجوب الجمعة عليه في مصرهم . وهذا حكم صدقات الأمصار إذا قسمها العامل في أهلها . وسواء في ذلك من كان قاطنا في المصر أو طارئا إليه وأقارب أرباب الأموال والأجانب : لأن استيعاب جميعهم في قسمة العامل واجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية