الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 529 ] مسألة : قال الشافعي : " ولو ضاقت السهمان قسمت على الجوار دون النسب ، وكذلك إن خالطهم عجم غيرهم فهم معهم في القسم على الجوار ، فإن كانوا أهل بادية عند النجعة يتفرقون مرة ويختلطون أخرى ، فأحب إلي لو قسمها على النسب إذا استوت الحالات ، وإذا اختلفت الحالات فالجوار أولى من النسب . وإن قال من تصدق إن لنا فقراء على غير هذا الماء وهم كما وصفت يختلطون في النجعة ، قسم بين الغائب والحاضر . ولو كانوا بالطرف من باديتهم فكانوا ألزم له ، قسم بينهم وكانت كالدار لهم ، وهذا إذا كانوا معا أهل نجعة لا دار لهم يقرون بها ، فأما إن كانت لهم دار يكونون لها ألزم ، فإني أقسمها على الجوار بالدار . ( وقال في الجديد ) : إذا استوى في القرب أهل نسبهم وعدى ، قسمت على أهل نسبهم دون العدى ، وإن كان العدى أقرب منهم دارا ، وكان أهل نسبهم منهم على سفر تقصر فيه الصلاة قسمت على العدى إذا كانت دون ما تقصر فيه الصلاة : لأنهم أولى باسم حضرتهم . وإن كان أهل نسبهم دون ما تقصر فيه الصلاة ، والعدى أقرب منهم قسمت على أهل نسبهم : لأنهم بالبادية غير خارجين من اسم الجوار ، وكذلك هم في المنعة حاضرو المسجد الحرام " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : لهذه المسألة مقدمتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن الصدقة إن قسمها العامل لزمه أن يقسمها على جميع أهل السهمان ، ولا يجوز أن يقتصر من كل صنف على طائفة حتى يقسمها على جميعهم ، وإن قسمها رب المال جاز أن يقتصر من كل صنف على طائفة أقلها ثلاثة ، ولا يلزمه أن يفرقها في جميع الصنف إلا أن تتسع صدقته لجميعهم فيلزمه مع الاتساع أن يفرقها في الجميع ، والفرق بين العامل وبين رب المال ما قدمناه ، فإن العامل يقسم جميع الصدقات فيلزمه أن يقسمها في جميع أهل السهمان ، ورب المال يقسم بعض الصدقات ، فجاز أن يقسمها في بعض أهل السهمان .

                                                                                                                                            والمقدمة الثانية : أن نقل الصدقة عن مكانها لا يجوز إذا وجد فيه أهلها ، وإن نقلت فقد أساء ناقلها . وفي إجزائها قولان .

                                                                                                                                            فإن عدم أهل السهمان في مكانهما نقلت إلى أقرب البلاد به .

                                                                                                                                            فإذا تقررت هاتان المقدمتان فلا يخلو قسم الصدقات من أن يتولاه رب المال أو العامل ، فإن تولاه العامل ، فلا يخلو أن يكون صدقات أمصار أو بواد ، فإن كانت صدقات أمصار لزمه أن يقسم صدقة كل مصر في أهله وأهل المصر من اشتمل عليهم بنيانه وأحاط بهم سوره . فأما من خرج عن سوره ولم يتصل ببنيانه ، فإن كانوا على مسافة يوم وليلة فصاعدا لم تكن لهم في زكاة ذلك المصر حق لكونهم من المصر على سفر يقصر فيه الصلاة ، فلم يجز أن يضافوا إليه ، وإن كانوا على مسافة أقل من يوم وليلة ، ففيهم وجهان لأصحابنا :

                                                                                                                                            [ ص: 530 ] أحدهما : أنهم مستحقون لصدقات المصر وهم كسكانه في أن الخارج إليهم لا يكون مسافرا يستبيح القصر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا حق لهم في صدقاته : لأنه لا يجوز أن يضاف إلى بلد من ليس فيه . والذي أراه مذهبا وهو أصح عندي من هذين الوجهين : أن ينظر في الخارج عن المصر ، فإن كان ممن يلزمه حضوره كصلاة الجمعة كان مضافا إلى أهله في استحقاق صدقاتهم كما كان مضافا إليهم في وجوب الجمعة عليه في مصرهم ، وإن كان ممن لا يلزمه حضور المصر لصلاة الجمعة لم يكن مضافا إلى أهله في استحقاق صدقاتهم كما لم يضف إليهم في وجوب الجمعة عليه في مصرهم . وهذا حكم صدقات الأمصار إذا قسمها العامل في أهلها . وسواء في ذلك من كان قاطنا في المصر أو طارئا إليه وأقارب أرباب الأموال والأجانب : لأن استيعاب جميعهم في قسمة العامل واجب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية