الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الزوجة فيجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها من السهام كلها .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز استدلالا بأنه أحد الزوجين فمنع زكاة صاحبه كالزوج إلى زوجته .

ولأنه وارث لا يسقط بالحجب ، فوجب أن يمنع من الزكاة كالأب .

ولأنه قد ترتفق بدفع زكاتها إليه : لأنه قد يستغني بها فتلزمه لها نفقة موسر .

ودليلنا عموم قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، وحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لزينب امرأة عبد الله بن مسعود : " زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم " ، فكان على عمومه .

فإن قيل فهذا محمول على التطوع : لأنه جمع بين الزوج والولد ولا يجوز أن يدفع إلى الولد من الفرض فثبت أنه التطوع ، فعن ذلك جوابان :

أحدهما وهو جواب أبي عبيد أنه يحتمل أن يكون أولاده من غيرها .

[ ص: 538 ] الثاني وهو جواب الشافعي : أن أولاده وإن كانوا منها فإنهم كانوا بالغين أصحاء فسقطت نفقاتهم وجاز دفع الزكاة إليهم .

ومن القياس أنه نسب لا يستحق به النفقة فلم تحرم به الصدقة قياسا على ذوي الأرحام ، ولأن الزوج مع الزوجة بمنزلة الأجنبي في سقوط النفقة ، فوجب أن يكون بمنزلته في استباحة الصدقة .

فأما الجواب عن قياسهم على منع الزوج من دفعها إلى زوجته فهو لأن نفقتها تلزمه فمنعت من صدقته ونفقته لا تلزمها فلم يمنع من صدقتها ، وأما قياسه على الأب بعلة أنه لا يسقط بالحجب ، فالمعنى فيه أن الأب تميز باستحقاق النفقة فيمنع من الصدقة وليس كذلك الزوج .

وأما الجواب عن قولهم أنها قد ترتفق بدفع زكاتها إليه ، فهو أنها لا ترتفق بالدفع ، وإنما ترتفق بما قد يحدث بعده من اليسار وذلك لا يمنع من الزكاة كمن دفعها إلى غريم له فأخذها من بعد قبضها من دينه جاز ، ولا يكون ذلك رفقا يمنع من جوازها لحصول ذلك بعد استقرار الملك بالقبض ، كذلك ما يأخذه الزوج ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية