الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفناه من تحريم الرضاع بعد ما قدمنا من التحريم بالنسب ، فقد مضى من المنصوص على تحريمهن في الآية تسع : سبع من النسب ، واثنتان من الرضاع ، وبقي من المنصوص على تحريمهن في الآية خمس حرمهن الله تعالى تحريم مصاهرة بعقد نكاح :

إحداهن أم الزوجة بقوله : وأمهات نسائكم .

والثانية : بنت الزوجة : وهي الربيبة بقوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم .

والثالثة : زوجة الابن ، وهي حليلته بقوله تعالى : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم .

والرابعة : زوجة الأب بقوله تعالى في الآية الأخرى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف وفيه تأويلان :

أحدهما : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الصحيح إلا ما قد سلف بالزنا والسفاح ، فإن كان نكاحهن حلالا لأنهن لم يكن حلائل .

والخامسة : الجمع بين الأختين بقوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف .

فهؤلاء الخمس حرمن بالقرآن ، ثم جاءت السنة بتحريم اثنتين :

إحداهما : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها .

[ ص: 200 ] والثانية : تحريم الجمع بين المرأة وخالتها .

وسنذكر السنة الواردة ، فصار المحرمات بعقد النكاح في القرآن والسنة سبعا ، كما كان المحرمات بالأنساب سبعا ، وكما صارت المحرمات بالرضاع سبعا ، وهؤلاء السبع المحرمات بعقد النكاح ينقسم حكمهن في التحريم ثلاثة أقسام :

قسم حرمن بالعقد تحريم تأبيد .

وقسم حرمن بالعقد تحريم جمع .

وقسم حرمن بالعقد تحريم جمع وبالدخول تحريم تأبيد .

فأما المحرمات بالعقد تحريم تأبيد فهن ثلاث :

إحداهن : أم الزوجة ، هي حرام عليه بالعقد على البنت سواء دخل بالبنت أم لا ، أقام معها أو فارقها ، قد صارت أمها حراما عليه أبدا ، وكذلك أم الأم ومن علا من جداتها حرمن عليه على التأبيد ، وهل يحرمن بالاسم أو بمعناه ؟ على ما مضى من الوجهين ، فإن وطئ واحدة منهن بعقد حد ، وإن كان بملك يمين فعلى ما مضى من القولين .

والثانية : زوجة الأب محرمة على الابن بعقد الأب عليها تحريم تأبيد ، سواء دخل الأب بها أم لا ، وكذلك زوجة الجد ومن علا من الأجداد محرمة عليه تحريم تأبيد ، وهل حرمن بالاسم أو بمعناه ؟ على ما ذكرنا من الوجهين ، فإن وطئ واحدة منهن بعقد حد ، وإن كان بملك يمين فعلى قولين .

روى عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه قال مر بي خالي ومعه لواء ، فقلت : يا خالي ، أين تذهب ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه .

والثالثة : زوجة الابن محرمة على الأب لعقد الابن عليها تحريم تأبيد ، سواء دخل بها الابن أم لا ، وهي الحليلة ، واختلف في تسميتها الحليلة على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها سميت حليلة : لأنها تحل للزوج .

والثاني : لأنها تحل في المكان الذي يحل به الزوج .

والثالث : لأن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه .

وإذا حرمت حليلة الابن ، فكذلك حليلة ابن الابن وإن سفل تحرم على الأب وإن علا ، وهل تحرم بالاسم أو بمعناه ؟ على ما مضى من الوجهين ، فإن وطئ واحدة منهن بعقد حد ، وإن كان بملك يمين فعلى ما مضى من القولين .

فإن كان الابن قد وطئها بملك اليمين ، والأب قد وطئها بالزوجية حد قولا واحدا ، وأما [ ص: 201 ] القولان إذا كان الأب قد وطئها بالزوجية ، والابن قد وطئها بملك اليمين ، فيصور الفرق بينهما في الحكم بحده فلزمهما في المعنى .

وأما المحرمات بالعقد تحريم جمع ، منهن ثلاث :

إحداهن : الجمع بين الأختين ، فإذا عقد على امرأة حرم عليه أختها ، وسواء كانت الأخت للأب والأم ، أو للأب ، أو للأم ، فإذا فارق التي تزوجها منهما حل له أختها .

والثانية : الجمع بين المرأة وعمتها ، كالجمع بين الأختين ، وكذلك الجمع بين المرأة وعمة أبيها وجدها ، وعمة أمها وجدتها ، ثم على ما ذكرنا من تحريمهما بالاسم أو بمعناه .

والثالث : الجمع بين المرأة وخالتها ، وكذلك تحريم الجمع بينها وبين خالة أمها وجداتها ، وخالة أبيها وأجدادها ، ثم على ما ذكرنا من تحريمهما بالاسم أو بمعناه .

وأما المحرمات بالعقد تحريم عقد وبالدخول تحريم تأبيد ، فجنس واحد ، وهن الربائب .

والربيبة بنت الزوجة ، فإذا عقد على امرأة حرمت عليه ابنتها تحريم جمع ، فإذا دخل بالأم حرمت عليه ابنتها تحريم تأبيد ، وكذلك بنت بنتها ، وبنت ابنها وإن سفلت تحرم بالعقد تحريم جمع ، وبالدخول تحريم تأبيد ، ثم على ما ذكرنا من تحريمها بالاسم أو بمعناه .

فإن قيل : لماذا حرمتم بنت الربيبة كالربيبة : فهلا حرمتم بنت حليلة الابن كالحليلة ؟ .

قلنا : لا تحرم ، والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن بنت الربيبة يطلق عليها اسم الربيبة فحرمت كالربيبة ، وبنت الحليلة لا يطلق عليها اسم الحليلة فلم تحرم .

والثاني : هو أن الأصل في المعنى المعتبر في تحريم المصاهرة إنما هو يصير الزوج الواحد قد جمع بين ذي نسبين كحليلة الابن مع الأب ، وهذا المعنى موجود في بنت الربيبة فحرمت كالربيبة ، وهو غير موجود في بنت الحليلة : لأنه لم يجمع الواحد ذات نسبين ، ولا اجتمع في الواحدة ذو نسبين ، فلم يحرم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية