الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : القول في عقد النكاح إذا لم يسم فيه الصداق

فإذا تقرر أن الصداق في عقد النكاح واجب فإن تزوجها على غير صداق سمياه في العقد ، صح العقد وإن كرهنا ترك التسمية فيه .

وإنما صح العقد : لقول الله تعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [ البقرة : 236 ] .

وفي معنى الآية قولان :

أحدهما : معناها لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ، فتكون أو بمعنى لم .

والقول الثاني : أن في الكلام محذوفا وتقديره : فرضتم لهن فريضة ، أو لم تفرضوا لهن فريضة . والمراد بالفريضة هنا الصداق ، وسماه فريضة : لأنه قد أوجبه لها ، وأصل الفرض الوجوب ، كما يقال : فرض السلطان لفلان الفيء أي أوجب ذلك له ، وكما قال الشاعر :


كانت فريضة ما أتيت كما كان الزنا فريضة الرجم

فموضع الدليل من هذه الآية : أن الله تعالى قد أثبت النكاح مع ترك الصداق ، وجوز فيه الطلاق ، وحكم لها بالمتعة إن طلقت قبل الدخول ، وبين أن الأولى لمن كره امرأة أن يطلقها قبل الدخول : لقوله : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن [ البقرة : 236 ] فكان ذلك أولى طلاقي الكاره .

وروى سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله عز وجل لا يحب الذواقات . يعني الفراق بعد الذوق .

ويدل على ذلك أيضا أن بروع بنت واشق تزوجت بغير مهر فحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها والميراث .

[ ص: 394 ] وروي أن أبا طلحة الأنصاري تزوج أم سليم على غير مهر ، فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه .

ولأن المقصود من عقد النكاح التواصل والألفة ، والصداق فيه تبع لمقصوده ، فخالف عقود المعاوضات من وجهين :

أحدهما : أن رؤية المنكوحة ليست شرطا فيه .

والثاني : أن ترك العوض فيه لا يفسده .

فأما كراهتنا لترك الصداق في العقد ، وإن كان جائزا ، فلثلاثة أمور :

أحدها : لئلا يتشبه بالموهوبة التي تختص برسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من أمته .

والثاني : لما فيه من قطع المشاجرة والتنازع إلى الحكام .

والثالث : ليكون ملحقا بسائر العقود التي تستحق فيها المعاوضات ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية