الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ أحوال الصداق بتعليم القرآن ]

وإذا كان كذلك فله ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يصدقها تعليم جميع القرآن .

والثاني : تعليم سورة منه .

والثالث : تعليم آيات منه .

الحالة الأولى : أن يصدقها تعليم جميع القرآن ، فإن أصدقها تعليم جميع القرآن فجميعه معلوم ، وعليه أن يذكر بأي قراءة يلقنها ، فإن حروف القراء مختلفة في الألفاظ والمعاني ، والسهولة والصعوبة .

[ ص: 406 ] فإن ذكر قراءة معينة لم يعدل بها إلى غيرها ، وإن أطلق ولم يعين ، ففي الصداق وجهان :

أحدها : أنه صداق باطل ؛ لاختلاف القراءات من الوجوه التي ذكرناها ، فصار مجهولا كما لو أصدقها ثوبا ، فعلى هذا يكون لها مهر مثلها .

والوجه الثاني : أنه صداق جائز ؛ لأن كل قراءة تقوم مقام غيرها ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ، وكما لو أصدقها قفيزا من صبرة ، جاز ، وإن لم يعين مكانه من الصبرة لتماثلها ، فعلى هذا يكون فيما يلقنها به من الحروف وجهان :

أحدهما - وهو قول أصحابنا البصريين - : أنه يلقنها بالأغلب من قراءة البلد ، كما لو أصدقها دراهم كانت من غالب دراهم البلد .

والوجه الثاني - وهو قول بعض أصحابنا البغداديين - : أنه يلقنها بما شاء من القراءات المفردة أو بالجائز ، وأن كل قراءة تقوم مقام غيرها .

الحالة الثانية : أن يصدقها تعليم سورة من القرآن ، وإن أصدقها تعليم سورة من القرآن ، فلا يصح حتى تكون السورة معلومة ؛ لاختلاف السور بالطول والقصر ، وأن فيها المشتبه وغير المشتبه ، فإذا عين السورة كان الكلام في حروف القراءة على ما مضى .

الحالة الثالثة : أن يصدقها تعليم آيات من القرآن ، وإن أصدقها تعليم آيات من القرآن ، فصحة ذلك معتبرة بأربعة شروط :

أحدها : أن تكون السورة معلومة ، فإن كانت مجهولة لم يجز ، وكان الصداق باطلا .

والثاني : أن تكون الآيات من السورة معلومة مثل أن يقول : عشر آيات من أول سورة البقرة ، أو من رأس المائدة ، أو عشر من الطلاق ، فإن أطلق عشر آيات من سورة البقرة ففيه وجهان :

أحدهما : باطل للجهل بتعيينها .

والوجه الثاني : جائز ، ويتوجه ذلك إلى عشر آيات من أولها ، اعتبارا بعرف الإطلاق ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال للرجل : قم فعلمها عشرين آية ولم يعين .

والشرط الثالث : أن يكون باذلا أقصر سورة في القرآن وهي الكوثر ، ثلاثا فصاعدا ؛ ليكون قدرا يختص بالإعجاز ، فإن كان أقل من ذلك لم يجز ؛ لأنه لا يختص بالإعجاز ، وتعيين القرآن يقتضي وجود الإعجاز .

والشرط الرابع : وهو حرف القراءة ، وذلك يختلف بحسب اختلاف الآيات المشروطة ، فإن كانت حروف القراءة فيها لا تختلف ، أو كان اختلافها يسيرا لا يؤثر في زيادة الحروف ونقصانها لم يلزم شرطه ، وإن كان بخلاف ذلك ، فهو على ما مضى من الوجهين .

فأما إن أصدقها أن يعلمها القرآن شهرا جاز ، وإن لم يعين السور والآيات ؛ لأن [ ص: 407 ] التعليم قد صار بتقدير المدة معلوما ، وإن كان عينه مجهولا ، فصار بمنزلة قوله علي أن أخدمك شهرا ، فيجوز وإن لم يعين الخدمة ، كما يجوز إذا أطلق المدة وعين الخدمة ، ثم لها أن تأخذه بتعليم ما شاءت من القرآن لا بما شاء الزوج ، كمن استؤجر لخدمة شهرا ، كان للمستأجر أن يستخدمه فيما شاء دون المؤجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية