الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ أحوال الصداق بتعليم القرآن ]

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يصدقها تعليم جميع القرآن .

                                                                                                                                            والثاني : تعليم سورة منه .

                                                                                                                                            والثالث : تعليم آيات منه .

                                                                                                                                            الحالة الأولى : أن يصدقها تعليم جميع القرآن ، فإن أصدقها تعليم جميع القرآن فجميعه معلوم ، وعليه أن يذكر بأي قراءة يلقنها ، فإن حروف القراء مختلفة في الألفاظ والمعاني ، والسهولة والصعوبة .

                                                                                                                                            [ ص: 406 ] فإن ذكر قراءة معينة لم يعدل بها إلى غيرها ، وإن أطلق ولم يعين ، ففي الصداق وجهان :

                                                                                                                                            أحدها : أنه صداق باطل ؛ لاختلاف القراءات من الوجوه التي ذكرناها ، فصار مجهولا كما لو أصدقها ثوبا ، فعلى هذا يكون لها مهر مثلها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه صداق جائز ؛ لأن كل قراءة تقوم مقام غيرها ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ، وكما لو أصدقها قفيزا من صبرة ، جاز ، وإن لم يعين مكانه من الصبرة لتماثلها ، فعلى هذا يكون فيما يلقنها به من الحروف وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أصحابنا البصريين - : أنه يلقنها بالأغلب من قراءة البلد ، كما لو أصدقها دراهم كانت من غالب دراهم البلد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول بعض أصحابنا البغداديين - : أنه يلقنها بما شاء من القراءات المفردة أو بالجائز ، وأن كل قراءة تقوم مقام غيرها .

                                                                                                                                            الحالة الثانية : أن يصدقها تعليم سورة من القرآن ، وإن أصدقها تعليم سورة من القرآن ، فلا يصح حتى تكون السورة معلومة ؛ لاختلاف السور بالطول والقصر ، وأن فيها المشتبه وغير المشتبه ، فإذا عين السورة كان الكلام في حروف القراءة على ما مضى .

                                                                                                                                            الحالة الثالثة : أن يصدقها تعليم آيات من القرآن ، وإن أصدقها تعليم آيات من القرآن ، فصحة ذلك معتبرة بأربعة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون السورة معلومة ، فإن كانت مجهولة لم يجز ، وكان الصداق باطلا .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون الآيات من السورة معلومة مثل أن يقول : عشر آيات من أول سورة البقرة ، أو من رأس المائدة ، أو عشر من الطلاق ، فإن أطلق عشر آيات من سورة البقرة ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : باطل للجهل بتعيينها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : جائز ، ويتوجه ذلك إلى عشر آيات من أولها ، اعتبارا بعرف الإطلاق ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال للرجل : قم فعلمها عشرين آية ولم يعين .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : أن يكون باذلا أقصر سورة في القرآن وهي الكوثر ، ثلاثا فصاعدا ؛ ليكون قدرا يختص بالإعجاز ، فإن كان أقل من ذلك لم يجز ؛ لأنه لا يختص بالإعجاز ، وتعيين القرآن يقتضي وجود الإعجاز .

                                                                                                                                            والشرط الرابع : وهو حرف القراءة ، وذلك يختلف بحسب اختلاف الآيات المشروطة ، فإن كانت حروف القراءة فيها لا تختلف ، أو كان اختلافها يسيرا لا يؤثر في زيادة الحروف ونقصانها لم يلزم شرطه ، وإن كان بخلاف ذلك ، فهو على ما مضى من الوجهين .

                                                                                                                                            فأما إن أصدقها أن يعلمها القرآن شهرا جاز ، وإن لم يعين السور والآيات ؛ لأن [ ص: 407 ] التعليم قد صار بتقدير المدة معلوما ، وإن كان عينه مجهولا ، فصار بمنزلة قوله علي أن أخدمك شهرا ، فيجوز وإن لم يعين الخدمة ، كما يجوز إذا أطلق المدة وعين الخدمة ، ثم لها أن تأخذه بتعليم ما شاءت من القرآن لا بما شاء الزوج ، كمن استؤجر لخدمة شهرا ، كان للمستأجر أن يستخدمه فيما شاء دون المؤجر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية