الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما المفوضة التي فرض لها مهر ، وذلك قد يكون بأحد وجهين :

إما بأن يتراضى الزوجان بفرضه وتقديره ، على ما سنذكره .

وإما بأن يفرضه الحاكم ، فيصير بالفرض بعد التفويض كالمسمى في العقد ، فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف المفروض دون المتعة .

وقال أبو حنيفة : يبطل المفروض بالطلاق قبل الدخول ، ويثبت حكم التفويض في وجوب المتعة كالتي لم يفرض لها مهر ، بناء على أصله في أن المفوضة وجب لها بالعقد مهر وسقط بالطلاق ، واستدلالا : بأنه نكاح خلا عن ذكر مهر فوجب أن يستحق فيه بالطلاق قبل الدخول المتعة ، قياسا على غير المفروض لها مهر .

ودليلنا قول الله تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم [ البقرة : 237 ] . فكان قوله : وقد فرضتم لهن فريضة على عموم الحالين فيما فرض في العقد أو بعد العقد ، وإن كان بالمفروض بعد العقد أشبه ، فجعل الله تعالى له استرجاع نصفه .

وأبو حنيفة يوجب استرجاع جميعه ، فكان قوله مدفوعا بالنص .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أدوا العلائق ، قيل : وما العلائق ؟ قال : ما تراضى به الأهلون ، فكان على عموم التراضي في حال العقد وبعده .

ومن طريق القياس : أنه فرض يستقر بالدخول فوجب ألا يسقط بالطلاق قبل الدخول كالمسمى في العقد ، ولأن هذا المفروض بمنزلة المسمى في استقراره بالموت ، فوجب أن يكون بمنزلته في الطلاق قبل الدخول .

فأما بناء أبي حنيفة ذلك على أصله فمخالف فيه .

وأما قياسه : فالمعنى في المفوضة أنه لا يجب بالموت مفروض ، وتستحق المطالبة [ ص: 479 ] بفرض المهر ، وهذه يجب لها المفروض بالموت ، ولا تستحق المطالبة بالفرض ، فصار كالمسمى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية