الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما التقاط النثر ، فقد اختلف أصحابنا في كراهيته ، مع إجماعهم على جوازه ، فلهم فيه وجهان :

أحدهما : أنه مكروه ، قال الشافعي : لأنه قد يأخذ من غيره أحب إلى صاحبه ، فعلى هذا لا يلزمهم التقاط ؛ لأن فعل المكروه لا يلزم .

والوجه الثاني : أنه ليس بمكروه ، إذا كان الملتقط مدعوا ، كما لا يكره أكل طعام الوليمة للمدعو ، وإن جاز أن يأكله من غيره أحب إلى صاحبه ، فعلى هذا لا يجب [ ص: 567 ] الالتقاط على أعيان الحاضرين ؛ لأنه تملك محض ، فجرى مجرى الهبة في وجوبه على الكافة وجهان :

أحدهما : لا يجب تعليلا بالهبة ، فإن تركوه جميعا جاز .

والوجه الثاني : أنه من فروض الكفاية ؛ لما في ترك جميعهم له من ظهور المقاطعة ، وانكسار نفس المالك ، فعلى هذا إذا التقطه بعضهم سقط فرضه عن الباقين ، وكذلك ولو التقط بعض الحاضرين بعض المنثور ، وبقي بعض الحاضرين وبعض المنثور ، سقط عنهم فرض التقاطه ، وإن كان جميعه باقيا خرجوا بتركه أجمعين ، ثم النثر مختص في العرف بالنكاح ، وإن كان مستعملا في غيره كالوليمة في اختصاصها بعرس النكاح وإن استعملت في غيره ، كما أن الأغلب فيه نثر اللوز والسكر ، وإن نثر قوم غير ذلك .

حكي أن أعرابيا تزوج فنثر على نفسه الزبيب لإعواز السكر ، وأنشأ يقول :


ولما رأيت السكر العام قد غلا وأيقنت أني لا محالـة ناكح     صببت على رأسي الزبيب لصحبتي
وقلت كلوا أكل الحلاوة صالح

التالي السابق


الخدمات العلمية