فصل : فأما
nindex.php?page=treesubj&link=11440التقاط النثر ، فقد اختلف أصحابنا في كراهيته ، مع إجماعهم على جوازه ، فلهم فيه وجهان :
أحدهما : أنه مكروه ، قال
الشافعي : لأنه قد يأخذ من غيره أحب إلى صاحبه ، فعلى هذا لا يلزمهم التقاط ؛ لأن فعل المكروه لا يلزم .
والوجه الثاني : أنه ليس بمكروه ، إذا كان الملتقط مدعوا ، كما لا يكره أكل طعام الوليمة للمدعو ، وإن جاز أن يأكله من غيره أحب إلى صاحبه ، فعلى هذا لا يجب
[ ص: 567 ] الالتقاط على أعيان الحاضرين ؛ لأنه تملك محض ، فجرى مجرى الهبة في وجوبه على الكافة وجهان :
أحدهما : لا يجب تعليلا بالهبة ، فإن تركوه جميعا جاز .
والوجه الثاني : أنه من فروض الكفاية ؛ لما في ترك جميعهم له من ظهور المقاطعة ، وانكسار نفس المالك ، فعلى هذا إذا التقطه بعضهم سقط فرضه عن الباقين ، وكذلك ولو التقط بعض الحاضرين بعض المنثور ، وبقي بعض الحاضرين وبعض المنثور ، سقط عنهم فرض التقاطه ، وإن كان جميعه باقيا خرجوا بتركه أجمعين ، ثم النثر مختص في العرف بالنكاح ، وإن كان مستعملا في غيره كالوليمة في اختصاصها بعرس النكاح وإن استعملت في غيره ، كما أن الأغلب فيه نثر اللوز والسكر ، وإن نثر قوم غير ذلك .
حكي أن أعرابيا تزوج فنثر على نفسه الزبيب لإعواز السكر ، وأنشأ يقول :
ولما رأيت السكر العام قد غلا وأيقنت أني لا محالـة ناكح صببت على رأسي الزبيب لصحبتي
وقلت كلوا أكل الحلاوة صالح
فَصْلٌ : فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11440الْتِقَاطُ النَّثْرِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَرَاهِيَتِهِ ، مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِهِ ، فَلَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، قَالَ
الشَّافِعِيُّ : لِأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِهِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمُ الْتِقَاطٌ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَكْرُوهِ لَا يَلْزَمُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ ، إِذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَدْعُوًّا ، كَمَا لَا يُكْرَهُ أَكْلُ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ لِلْمَدْعُوِّ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَأْكُلَهُ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِهِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ
[ ص: 567 ] الِالْتِقَاطُ عَلَى أَعْيَانِ الْحَاضِرِينَ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ مَحْضٌ ، فَجَرَى مَجْرَى الْهِبَةِ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْكَافَّةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ تَعْلِيلًا بِالْهِبَةِ ، فَإِنْ تَرَكُوهُ جَمِيعًا جَازَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ ؛ لِمَا فِي تَرْكِ جَمِيعِهِمْ لَهُ مِنْ ظُهُورِ الْمُقَاطَعَةِ ، وَانْكِسَارِ نَفْسِ الْمَالِكِ ، فَعَلَى هَذَا إِذَا الْتَقَطَهُ بَعْضُهُمْ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنِ الْبَاقِينَ ، وَكَذَلِكَ وَلَوِ الْتَقَطَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بَعْضَ الْمَنْثُورِ ، وَبَقِيَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ وَبَعْضُ الْمَنْثُورِ ، سَقَطَ عَنْهُمْ فَرْضُ الْتِقَاطِهِ ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ بَاقِيًا خَرَجُوا بِتَرْكِهِ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ النَّثْرُ مُخْتَصٌّ فِي الْعُرْفِ بِالنِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِهِ كَالْوَلِيمَةِ فِي اخْتِصَاصِهَا بِعُرْسِ النِّكَاحِ وَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِهِ ، كَمَا أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيهِ نَثْرُ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ ، وَإِنْ نَثَرَ قَوْمٌ غَيْرَ ذَلِكَ .
حُكِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا تَزَوَّجَ فَنَثَرَ عَلَى نَفْسِهِ الزَّبِيبَ لِإِعْوَازِ السُّكَّرِ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ :
وَلَمَّا رَأَيْتُ السُّكَّرَ الْعَامَ قَدْ غَلَا وَأَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَـةَ نَاكِحُ صَبَبْتُ عَلَى رَأْسِي الزَّبِيبَ لِصُحْبَتِي
وَقُلْتُ كُلُوا أَكْلَ الْحَلَاوَةِ صَالِحُ