الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن يكون الابن ثابت النسب لم يجز عليه ولا على أمه لعان قط ، فيقول له أجنبي : لست بابن فلان ، فالظاهر من مذهب الشافعي أنه يكون قذفا لأمه في الظاهر والباطن ، لأن في المستلحق بعد الالتعان من الاحتمال ما ليس في هذا ، فلذلك كان قذفا في الظاهر دون الباطن ، وفي هذا الموضع قذفا في الظاهر والباطن ، وهذا ظاهر ما يقتضيه كلام الشافعي في الأجنبي . وحكى المزني عنه في الأب إذا قال لابنه : لست بابني ، أنه لا يكون قاذفا لأمه حتى يريد به القذف ، فخالف بين الأب والأجنبي فلم يجعل ذلك من الأب قذفا ، وجعله من الأجنبي قذفا ، فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة طرق :

أحدها - وقد أومأ المزني إليها - : التسوية بين الأب والأجنبي ، وتخريج ذلك على قولين جمعا بين ما نص عليه في الموضعين :

أحدهما : يكون قذفا صريحا من الأب والأجنبي جميعا على ما نص عليه في الأجنبي فيحدان معا إلا أن يلاعن الأب فيسقط عنه الحد ولا يسقط عن الأجنبي . ووجهه : أن نفي الولد عن أبيه موضوع في العرف لقذف أمه ، فجاز أن يكون العرف معتبرا والحكم به متعلقا .

والقول الثاني : أنه لا يكون قذفا صريحا من الأب ولا من الأجنبي لظهور الاحتمال فيه ، وأن يراد به ليس بابنه لاختلافهما في الأفعال والأخلاق مع اتفاقهما في الأنساب ، فخرج بهذا الاحتمال عن حكم الصريح ، وما الذي يكون حكمه حينئذ ؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مقذوفا في الظاهر دون الباطن اعتبارا بالأغلب من حاليه . وإن لم يتغلظ على المستلحق بعد النفي لم يكن أضعف منه ، فعلى هذا يؤخذ بالحد إلا أن يقول : لم أرد به القذف ، فيحلف عليه ولا يحد .

والوجه الثاني : أنه كناية ينوي فيه ولا يحد إلا أن يريد به القذف ، بخلاف المستلحق ، والفرق بينهما : أن المستلحق لما اعتل نسبه باللعان صار الظاهر من نفيه قذف أمه ، وغير المستلحق لما لم يعتل نسبه صار الظاهر من نفيه مخالفة أبيه في أفعاله وأخلاقه . فهذه الطريقة الأولى لأصحابنا ويشبه أن تكون طريقة أبي الطيب بن سلمة .

والطريقة الثانية : وهي طريقة أبي علي بن أبي هريرة : أن الجواب على ظاهر النص فيهما ، فيكون قذفا من الأجنبي ولا يكون قذفا من الأب .

[ ص: 92 ] والفرق بينهما : أن للأب من تأديب ولده بالضرب والإغلاظ في القول ما ليس للأجنبي فصار ذلك من الأب إغلاظا في القول المحمول على التأديب ، ومن الأجنبي إغلاظ قذف لا مدخل له في التأديب .

والطريقة الثالثة : - وهي طريقة أبي إسحاق المروزي - أن اختلاف الجواب فيهما محمول على اختلاف حالين يستويان فيهما ، فالذي قاله في الأب : أنه لا يكون قذفا إذا قاله عند ولادته وقبل استقرار نسبه في الحال التي لو أراد نفيه فيها باللعان لأمكنه ، والذي قاله في الأجنبي : أنه يكون قذفا إذا قاله بعد استقرار نسبه في حال لا يجوز لأبيه نفيه فيها باللعان ، فيكون ذلك قذفا من الأب والأجنبي بعد استقرار النسب ولا يكون قذفا منهما قبل استقراره لضعف النسب قبل استقراره ، وقوته بعد استقراره ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية