الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن يكون الابن ثابت النسب لم يجز عليه ولا على أمه لعان قط ، فيقول له أجنبي : لست بابن فلان ، فالظاهر من مذهب الشافعي أنه يكون قذفا لأمه في الظاهر والباطن ، لأن في المستلحق بعد الالتعان من الاحتمال ما ليس في هذا ، فلذلك كان قذفا في الظاهر دون الباطن ، وفي هذا الموضع قذفا في الظاهر والباطن ، وهذا ظاهر ما يقتضيه كلام الشافعي في الأجنبي . وحكى المزني عنه في الأب إذا قال لابنه : لست بابني ، أنه لا يكون قاذفا لأمه حتى يريد به القذف ، فخالف بين الأب والأجنبي فلم يجعل ذلك من الأب قذفا ، وجعله من الأجنبي قذفا ، فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة طرق :

                                                                                                                                            أحدها - وقد أومأ المزني إليها - : التسوية بين الأب والأجنبي ، وتخريج ذلك على قولين جمعا بين ما نص عليه في الموضعين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون قذفا صريحا من الأب والأجنبي جميعا على ما نص عليه في الأجنبي فيحدان معا إلا أن يلاعن الأب فيسقط عنه الحد ولا يسقط عن الأجنبي . ووجهه : أن نفي الولد عن أبيه موضوع في العرف لقذف أمه ، فجاز أن يكون العرف معتبرا والحكم به متعلقا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه لا يكون قذفا صريحا من الأب ولا من الأجنبي لظهور الاحتمال فيه ، وأن يراد به ليس بابنه لاختلافهما في الأفعال والأخلاق مع اتفاقهما في الأنساب ، فخرج بهذا الاحتمال عن حكم الصريح ، وما الذي يكون حكمه حينئذ ؟ فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مقذوفا في الظاهر دون الباطن اعتبارا بالأغلب من حاليه . وإن لم يتغلظ على المستلحق بعد النفي لم يكن أضعف منه ، فعلى هذا يؤخذ بالحد إلا أن يقول : لم أرد به القذف ، فيحلف عليه ولا يحد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه كناية ينوي فيه ولا يحد إلا أن يريد به القذف ، بخلاف المستلحق ، والفرق بينهما : أن المستلحق لما اعتل نسبه باللعان صار الظاهر من نفيه قذف أمه ، وغير المستلحق لما لم يعتل نسبه صار الظاهر من نفيه مخالفة أبيه في أفعاله وأخلاقه . فهذه الطريقة الأولى لأصحابنا ويشبه أن تكون طريقة أبي الطيب بن سلمة .

                                                                                                                                            والطريقة الثانية : وهي طريقة أبي علي بن أبي هريرة : أن الجواب على ظاهر النص فيهما ، فيكون قذفا من الأجنبي ولا يكون قذفا من الأب .

                                                                                                                                            [ ص: 92 ] والفرق بينهما : أن للأب من تأديب ولده بالضرب والإغلاظ في القول ما ليس للأجنبي فصار ذلك من الأب إغلاظا في القول المحمول على التأديب ، ومن الأجنبي إغلاظ قذف لا مدخل له في التأديب .

                                                                                                                                            والطريقة الثالثة : - وهي طريقة أبي إسحاق المروزي - أن اختلاف الجواب فيهما محمول على اختلاف حالين يستويان فيهما ، فالذي قاله في الأب : أنه لا يكون قذفا إذا قاله عند ولادته وقبل استقرار نسبه في الحال التي لو أراد نفيه فيها باللعان لأمكنه ، والذي قاله في الأجنبي : أنه يكون قذفا إذا قاله بعد استقرار نسبه في حال لا يجوز لأبيه نفيه فيها باللعان ، فيكون ذلك قذفا من الأب والأجنبي بعد استقرار النسب ولا يكون قذفا منهما قبل استقراره لضعف النسب قبل استقراره ، وقوته بعد استقراره ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية