الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من الأولى بعدما اعتدل قائما فليسجد للأولى حتى تتم قبل الثانية " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل قام إلى ركعة ثانية ثم ذكر أنه ترك من الركعة الأولى سجدة ناسيا ، فعليه أن يعود فيأتي بالسجدة التي نسيها سواء كان قائما في الثانية ، أو راكعا لما عليه من ترتيب الأفعال ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن عليه صلاة فإذا أراد السجود فهل يجلس قبل سجوده أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو قول أبي إسحاق : عليه أن يعود ، فيجلس ، ثم يسجد ، سواء جلس قبل قيامه [ ص: 220 ] أم لا ، لأن عليه أن يأتي بالسجود عقيب الجلوس ، فإذا عقب جلوسه بالقيام لم يجزه الاعتداد به ، ولزمه فعله ليكون السجود عقيبه ، كالسعي لا يجوز إلا على عقيب الطواف ، فلو طاف وصبر زمانا ، ثم أراد السعي لم يجز حتى يستأنف الطواف ، ثم يعقبه السعي .

والوجه الثاني : ليس عليه أن يجلس بل ينحط من فوره ساجدا سواء جلس قبل قيامه أم لا ، لأن الجلسة غير مقصودة في نفسها ، وإنما أزيدت للفصل بين السجدتين ، والقيام فاصل بينهما ونائب عن الجلسة .

والوجه الثالث : وهو ظاهر مذهب الشافعي وعليه أصحابنا : أنه إن كان قد جلس قبل قيامه انحط ساجدا من فوره من غير جلوس ، وإن لم يكن قد جلس عاد فجلس ثم سجد ، لأن هذه الجلسة ركن في الصلاة مقصود : لقوله صلى الله عليه وسلم : ثم اجلس حتى تطمئن جالسا فإذا فعله لم يلزمه إعادته كسائر أركان الصلاة ، وما قاله أبو إسحاق من وجوب تعقب السجدة بالجلوس ففاسد لمن لم يذكر سهوه عن السجدة حتى يسجد في الثانية ، لأن هذه السجدة تجزئه عن الأولى ، وإن لم يكن عقيب جلوس ، وإن ذكر فرقا ، فإن الفرق اعتذار بعد وجود النقص ، فإذا ثبت هذا فأصح الوجوه : أنه إن كان جلس قبل قيامه لم يأت به ، وانحط ساجدا من فوره ، وإن لم يجلس قبل قيامه عاد فجلس ثم سجد ، فعلى هذا لو كان قد جلس قبل قيامه جلسة الاستراحة غير قاصد بها الجلسة بين السجدتين فهل ينوب ذلك مناب الجلسة بين السجدتين ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي العباس : لا تنوب مناب الجلسة بين السجدتين ، لأن هذه فريضة وجلسة الاستراحة والنفل سنة ، والنفل لا تنوب مناب الفرض ، ألا ترى أنه لو نسي سجدة وسجد سجدة التلاوة لم تنب عن سجدة الفرض .

والوجه الثاني : أن جلسة الاستراحة تنوب مناب الجلسة بين السجدتين ، لأن نية الصلاة تبسط على أفعالها ، وليس يلزمه تحديد النية عند كل فعل منها ، فإذا وجد الفعل على صفة الفعل الواجب وهيئته قام مقامه ، وإن لم ينوه ، ألا ترى أنه لو تشهد التشهد الأخير وعنده أنه التشهد الأول أجزأه عن فرضه ، وإن لم ينوه لوجود ذلك على صفته ، ومن قال هذا الوجه فرق بين سجدة التلاوة في أنها لا تنوب عن سجدة الفرض ، وبين جلسة الاستراحة في أنها تنوب عن جلوس الفرض بأن قال : سجود التلاوة عارض ، والعارض لا ينوب عن الراتب ، وجلسة الاستراحة راتبة فجاز أن تنوب عن الراتب .

التالي السابق


الخدمات العلمية