الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من الأولى بعدما اعتدل قائما فليسجد للأولى حتى تتم قبل الثانية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل قام إلى ركعة ثانية ثم ذكر أنه ترك من الركعة الأولى سجدة ناسيا ، فعليه أن يعود فيأتي بالسجدة التي نسيها سواء كان قائما في الثانية ، أو راكعا لما عليه من ترتيب الأفعال ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن عليه صلاة فإذا أراد السجود فهل يجلس قبل سجوده أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي إسحاق : عليه أن يعود ، فيجلس ، ثم يسجد ، سواء جلس قبل قيامه [ ص: 220 ] أم لا ، لأن عليه أن يأتي بالسجود عقيب الجلوس ، فإذا عقب جلوسه بالقيام لم يجزه الاعتداد به ، ولزمه فعله ليكون السجود عقيبه ، كالسعي لا يجوز إلا على عقيب الطواف ، فلو طاف وصبر زمانا ، ثم أراد السعي لم يجز حتى يستأنف الطواف ، ثم يعقبه السعي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ليس عليه أن يجلس بل ينحط من فوره ساجدا سواء جلس قبل قيامه أم لا ، لأن الجلسة غير مقصودة في نفسها ، وإنما أزيدت للفصل بين السجدتين ، والقيام فاصل بينهما ونائب عن الجلسة .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو ظاهر مذهب الشافعي وعليه أصحابنا : أنه إن كان قد جلس قبل قيامه انحط ساجدا من فوره من غير جلوس ، وإن لم يكن قد جلس عاد فجلس ثم سجد ، لأن هذه الجلسة ركن في الصلاة مقصود : لقوله صلى الله عليه وسلم : ثم اجلس حتى تطمئن جالسا فإذا فعله لم يلزمه إعادته كسائر أركان الصلاة ، وما قاله أبو إسحاق من وجوب تعقب السجدة بالجلوس ففاسد لمن لم يذكر سهوه عن السجدة حتى يسجد في الثانية ، لأن هذه السجدة تجزئه عن الأولى ، وإن لم يكن عقيب جلوس ، وإن ذكر فرقا ، فإن الفرق اعتذار بعد وجود النقص ، فإذا ثبت هذا فأصح الوجوه : أنه إن كان جلس قبل قيامه لم يأت به ، وانحط ساجدا من فوره ، وإن لم يجلس قبل قيامه عاد فجلس ثم سجد ، فعلى هذا لو كان قد جلس قبل قيامه جلسة الاستراحة غير قاصد بها الجلسة بين السجدتين فهل ينوب ذلك مناب الجلسة بين السجدتين ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس : لا تنوب مناب الجلسة بين السجدتين ، لأن هذه فريضة وجلسة الاستراحة والنفل سنة ، والنفل لا تنوب مناب الفرض ، ألا ترى أنه لو نسي سجدة وسجد سجدة التلاوة لم تنب عن سجدة الفرض .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن جلسة الاستراحة تنوب مناب الجلسة بين السجدتين ، لأن نية الصلاة تبسط على أفعالها ، وليس يلزمه تحديد النية عند كل فعل منها ، فإذا وجد الفعل على صفة الفعل الواجب وهيئته قام مقامه ، وإن لم ينوه ، ألا ترى أنه لو تشهد التشهد الأخير وعنده أنه التشهد الأول أجزأه عن فرضه ، وإن لم ينوه لوجود ذلك على صفته ، ومن قال هذا الوجه فرق بين سجدة التلاوة في أنها لا تنوب عن سجدة الفرض ، وبين جلسة الاستراحة في أنها تنوب عن جلوس الفرض بأن قال : سجود التلاوة عارض ، والعارض لا ينوب عن الراتب ، وجلسة الاستراحة راتبة فجاز أن تنوب عن الراتب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية