الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 148 ] باب القصاص في الشجاج والجراح والأسنان ومن به نقص أو شلل أو غير ذلك

مسألة : قال الشافعي رحمه الله : والقصاص دون النفس شيئان : جرح يشق ، وطرف يقطع .

قال الماوردي : قد مضى القصاص في النفس وهو فيما دون النفس واجب كوجوبه في النفس ، لقول الله تعالى ولكم في القصاص حياة البقرة : 194 ] ولقوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم البقرة : 194 ] ولقوله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] فجمعت هذه الآية عموم القصاص فيما استحق من الوجوه الثلاث ، وهي القصاص في النفس والقصاص في الأطراف ، والقصاص في الجروح ، ولا قصاص فيما عداها ، وهي ضربان :

أحدهما : ما أوجب الأرش دون القصاص إما بمقدر كالجائفة أو بغير مقدر كالحارضة .

والضرب الثاني : ما لا يوجب أرشا ولا قصاصا كالضرب الذي لا أثر له في الجسد ، فصارت الجنايات على خمسة أقسام ، يجب القصاص منها في ثلاثة ، والأرش في أربع ، والعفو عنه في الخامس ، وفيه يستحق التعزير أدبا .

فإذا ثبتت هذه الجملة فالمكافأة في القصاص على ضربين :

أحدهما : في الأحكام .

والثاني : في الأوصاف .

فأما المكافأة في الأحكام فهو اعتبار التكافؤ في الحرية والإسلام ، فهذا معتبر في جميع ما يجب فيه القود من الأقسام في النفوس والأطراف والجراح ، فإذا منع الرق والكفر من القصاص في النفس منع منه في الأطراف والجراح ، فلا يؤخذ طرف حر ولا مسلم بطرف عبد ولا كافر وكذلك في الجراح .

وأما المكافأة في الأوصاف فتنقسم ثلاثة أقسام :

[ ص: 149 ] أحدها : في الصحة والمرض .

والثاني : في الزيادة والنقصان .

والثالث : في الصغر والكبر ، فلا يعتبر واحد من هذه الأقسام الثلاثة في القصاص من النفس ، فيقتصر من الصحيح بالمريض ، ومن المريض بالصحيح ، ومن الكامل بالأقطع ، ومن الأقطع بالكامل ، ومن السليم بالأشل ، ومن الأشل بالسليم ، ومن الأعمى بالبصير ، ومن البصير بالأعمى ، ومن الكبير بالصغير ، والعاقل بالمجنون ، ولا يقتص من الصغير والمجنون بالكبير ، ولا بالعاقل ، لارتفاع القلم عنهما بالصغر والجنون .

وأما الأطراف فيعتبر في القصاص منها السلامة من النقصان والزيادة ، ولا يعتبر فيها الصحة والمرض ، ولا الصغر والكبر ، فلا يجوز أن تؤخذ اليد الكاملة الأصابع باليد الناقصة الأصابع ، ولا اليد الزائدة الأصابع باليد الكاملة حتى يقع التساوي في الزيادة والنقصان ، وتؤخذ اليد الكبيرة باليد الصغيرة ، واليد الصغيرة باليد الكبيرة ، واليد الصحيحة باليد المريضة إذا سلمت من شلل ، ويأخذ اليد المريضة إذا سلمت من شلل باليد الصحيحة ، ولا تؤخذ سليمة بشلاء ، وتؤخذ الشلاء بالسليمة إذا رضي مستحق القصاص بها .

وأما الجراح فيعتبر في القصاص فيها الصغر والكبر والزيادة والنقصان ، فلا يؤخذ بالصغير إلا صغير ، وبالناقص إلا ناقص ، وبالكبير إلا كبير على ما سنذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية