[ ص: 278 ] باب صلاة التطوع وقيام شهر رمضان  
قال  
الشافعي   ، رضي الله عنه : " الفرض خمس في اليوم والليلة ، لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال : هل علي غيرها ؟ قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921546لا إلا أن تطوع     " .  
قال  
الماوردي      : وهذا كما قال يتضمن هذا الفصل الخلاف في  
صلاة الوتر  فعند  
الشافعي   أنها سنة ، وبه قال الفقهاء كافة .  
وقال  
أبو حنيفة      : الوتر واجب .  
قال  
ابن المنذر   ، ولم يذهب إلى هذا غير  
أبي حنيفة      .  
واستدل من نصر قوله برواية  
خارجة بن حذافة   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921547إن الله سبحانه أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر جعلها بين العشاء والفجر     .  
وبرواية  
عمرو بن شعيب   ، عن أبيه ، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921548إن الله عز وجل زادكم صلاة هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الوتر حافظوا عليها     .  
قالوا : وفيه دليلان :  
أحدهما : إخباره صلى الله عليه وسلم أن الزيادة من جهة الله عز وجل ، والوارد من جهته واجب .  
والثاني : أن الزيادة تضاف إلى شيء محصور ، والنوافل غير محصورة فدل أنها مضافة إلى الفرائض المحصورة .   
[ ص: 279 ] وبرواية  
عبد الله بن بريدة   ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921549الوتر حق ، فمن لم يوتر فليس منا ، من لم يوتر فليس منا ، من لم يوتر فليس منا     .  
قالوا : فنفى  
تارك الوتر  عن الملة ، فدل على وجوبه ليستحق هذه الصفة بتركه .  
وبرواية  
علي بن أبي طالب   ، عليه السلام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921550إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن     .  
وهذا أمر .  
وبرواية  
أبي أيوب   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921551الوتر حق على كل مسلم     " ولفظه على لفظة وجوب .  
وبرواية في بعض الأخبار : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921552الوتر حق واجب على كل مسلم     " ، ولأنها صلاة وتر فوجب أن تكون واجبة كالمغرب .  
والدلالة على أن الوتر سنة قوله تعالى :  
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى     [ البقرة : 238 ] ، فلو كانت الوتر واجبة لكانت ستا ، والست لا تصح أن يكون لها وسطى ، فعلم أنها خمس وروى  
الشافعي   ، عن  
مالك   ، عن عمه أبي سهيل بن  
مالك   ، عن أبيه ، عن  
طلحة بن عبيد الله   ، رضي الله عنه ،  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921553أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ما الإسلام قال : خمس صلوات في اليوم والليلة ، قال : فهل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع . فقال : والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق  فكان في هذا الخبر ثلاثة أدلة :  
أحدها : أنه سأله عن الفرض الذي عليه فقال صلى الله عليه وسلم : "  
خمس في اليوم والليلة     " ، ولم يقل : ست .  
والثاني : قوله : " هل علي غيرها ؟ " . فقال صلى الله عليه وسلم : " لا " ، فنفى عنه وجوب غيرها ، ثم أكد النفي بقوله صلى الله عليه وسلم : " إلا أن تطوع " .  
والثالث : قول الأعرابي : "  
والله لا أزيد عليها ، ولا أنقص منها " ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفلح إن صدق     " ، فلو كان الوتر واجبا لم يكن بتركه مفلحا .   
[ ص: 280 ] وروى  
عبد الله بن مسعود   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
إن الله تعالى وتر يحب الوتر ، فأوتروا يا أهل القرآن ، فقام أعرابي ، فقال : هل تجب علي يا رسول الله ؟ فقال : إنها ليست لك ولا لقومك  فلو كان الوتر واجبا لعم وجوبه جميع الناس كالصلوات الخمس .  
وروى  
عبد الله بن محيريز   أن  
المخدجي   سمع رجلا  
بالشام   يدعى  
بأبي محمد   يقول : إن الوتر واجب ، قال  
المخدجي      : فوجدت  
عبادة بن الصامت   ، فقلت : إن  
أبا محمد الأنصاري   يزعم أن الوتر واجب فقال : كذب  
أبو محمد   ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921555خمس كتبهن الله على عباده ، فمن أتى بهن ، ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بهن كانت له على الله عز وجل عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن لم يكن له على الله عز وجل عهد ، فإن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له  وروى  
الزهري   ، عن  
أنس بن مالك   حديث المعراج قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921556لما عرج النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أمته خمسون صلاة ، فقال له  موسى   ، عليه السلام : سل ربك التخفيف لأمتك قال : فترددت بين يدي الله عز وجل ، حتى ردها إلى خمس ، وسمعت مناديا ينادي إلا أني قد مضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ، وجعلت لهم بكل حسنة أمثالها :  ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد     [ ق : 29 ] .  
وروى  
عكرمة   ، عن  
ابن عباس   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  
كتب علي الوتر ولم تكتب عليكم ، وكتبت علي الأضحية  ، ولم تكتب عليكم ولأنها صلاة لم يسن لها الأذان ، فوجب أن لا تكون واجبة على الكافة ابتداء بأصل الشرع قياسا على سائر النوافل ، ولأن الصلوات ضربان فرض ، ونفل ، فلما كان في جنس الفرض وتر وجب أن يكون في جنس النفل وتر كالفرائض .  
وتحرير ذلك قياسا : أنه أحد نوعي الصلاة فوجب أن يكون في جنسه وتر كالفرائض ، ولأنها صلاة من سننها أن تكون تبعا لغيرها فوجب أن تكون نفلا قياسا على الركعتين بعد الظهر ، ولأنها صلاة لا يكفر جاحدها ، ولا يفسق تاركها ، ولا يقتل من توانى عنها ، فكانت بالنوافل أشبه لاشتراكهما فيما ذكرنا .  
فأما الاحتجاج عن جوابهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى أمركم " فهو أن يقال لا حجة لهم فيه : لأن الله عز وجل أمرنا بصلاة النفل كما أمرنا بالواجب .   
[ ص: 281 ] وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " زادكم " فهو دليلنا ، لأنه زاد لنا لا علينا ، وقولهم الزيادة لا تكون إلا على محصور ، فيقال لهم : النوافل ضربان : مؤكدة ، وغير مؤكدة ، فالمؤكدة محصورة القدر ، كركعتي الفجر ، والنوافل الموظفات قبل الصلوات وبعدها على أن من أصلهم أنها غير مزيدة على شيء ، لأنها ليست عندهم فرضا تزاد على الوظائف ، ولا نفلا تزاد على النوافل فسقط من حيث أوردوه .  
وأما حديث  
ابن بريدة   ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921558من لم يوتر فليس منا     " فمتروك الظاهر بإجماع : لأن  
تارك الوتر  لا يكون كافرا خارجا عن الملة ، فاحتجنا وإياهم إلى تأويل يحمل عليه ظاهر الحديث ، ونحن أقدر على تأويله منهم ، فنقول : معناه من لم يوتر معتقدا أنها غير سنة ، فليس منا على أن هذه اللفظة قد تستعمل في ترك المندوب إليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921559من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا فليس منا  وتوقير الكبير مندوب إليه وليس بواجب .  
وأما حديث  
علي   رضي الله عنه ففيه جوابان :  
أحدهما : أن قوله صلى الله عليه وسلم : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921560إن الله عز وجل وتر يحب الوتر     " فلا يدل على وجوبه ، وإنما يدل على فعله واستحبابه .  
والثاني : أن في تخصيص أهل القرآن به .  
وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : "  
إنها ليست لك ، ولا لقومك     " دليل على كونه سنة وندبا .  
وأما حديث  
أبي أيوب   فقد روينا عنه في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921551الوتر حق مسنون على كل مسلم     " ، فسقط الاستدلال به .  
وأما قياسهم على المغرب ، فالمعنى فيه : أنها صلاة سن لها أذان ، وإقامة ، ثم يقال  
لأبي حنيفة      : ما تعم البلوى به لا يثبت على أصلك بالقياس ، ولا بخبر الواحد وليس معك فيه تواتر ، فلم أثبت وجوبه ، وفيه مخالفة أصلك ، فإن ذكر جوابا كان توقيفا واعتذارا تفضحه السير - والله أعلم - .