فصل : فأما النوافل التي سن فعلها منفردا ، فأوكدها صلاتان : الوتر وركعتا الفجر ، وفي أوكدهما قولان :
أحدهما : وهو قوله في القديم ركعتا الفجر أوكد من الوتر .  
والثاني : هو قوله في الجديد : الوتر أوكد من ركعتي الفجر .  
" ووجه قوله في القديم أن ركعتي الفجر أوكد ؟ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921561ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها  فكان ظاهرا يقتضي تفضيلها على جميع الصلوات ، لكن قام الدليل على أن الفرائض أفضل .  
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حث عليها وأمر بفعلها .  
وقال صلى الله عليه وسلم :  
لا تتركوها ولو دهمتم الخيل     .  
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين نام عن الصلاة حتى طلعت عليه الشمس بالوادي خرج منه ، فابتدأ بركعتي الفجر ، وقدمها على صلاة الفرض . فدل على تأكيدها ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتر على راحلته ، ولم يصل ركعتي الفجر إلا على الأرض ، وجعلها في حيز الفرض ، فدل على تفضيلها : ولأنها صلاة محصورة بالعدد لا يزاد عليها ، ولا ينقص منها ، فوجب أن تكون أوكد من الوتر التي ليس لها عدد محصور ، وكانت أوكد من النوافل التي لها عدد محصور ، ولأن ركعتي الفجر تتبع الصبح ، والوتر يتبع العشاء ، والصبح أوكد من العشاء لأنها صلاة الوسطى عند  
الشافعي   ، فوجب أن يكون متبوعها أوكد من متبوع العشاء .  
ووجه قوله في الجديد : أن الوتر أوكد ما استدل به  
أبو حنيفة   على وجوبها من الأخبار المقدمة في صدر الباب ، ولأن الوتر مشروعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وركعتا الفجر مأخوذة من فعله صلى الله عليه وسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم أوكد من فعله ، ولأن الوتر مختلف في وجوبها وركعتي الفجر مجمع      
[ ص: 284 ] على أنها غير واجبة ، فاقتضى أن يكون ما اختلف في وجوبه أوكد ، فمن قال بالقول الأول      
[ ص: 285 ] انفصل عن الاستدلال بأن  
الوتر مشروعة  بقوله صلى الله عليه وسلم ، وركعتي الفجر مأخوذة من فعله ، فإن قال :      
[ ص: 286 ] فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر الله تعالى كما أن قوله صلى الله عليه وسلم فاستويا على أنا قد روينا فيه قولا ولم يكن لهذا الاستدلال وجه ، وانفصل عن الترجيح بالاختلاف في وجوبها ، فإن قال : قد قامت الدلالة عندنا على أن الوتر غير واجبة فلم يصح الترجيح علينا بمذهب غيرنا .