الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو كان ذلك في سرقة لم يقطع يمينه ولا يشبه الحد حقوق العباد .

قال الماوردي : وصورتها : أن يستحق قطع يمين السارق فيخرج يسراه فتقطع فقد قال الشافعي في موضع القديم : القياس أن تقطع يمناه والاستحسان ألا تقطع فصار قوله في القديم لم يلزم من تقديم على الاستحسان ، لأنه لا يجوز أن يؤخذ يسرى السارق بيمناه كالقصاص وقطع اليمنى بعد قطع اليسرى إذا اندملت ، فعلى هذا إذا أخرجها السارق مبيحا لها لا قصاص فيها ولها دية ، وإن أخرجها لتقطع في السرقة بدلا من يمناه فليستقد بها منه .

وإن عمد الجلاد قطع اليسرى وعلم بها اقتص منه ، وإن لم يعلم فلا قصاص عليه وفي وجوب الدية وجهان :

أحدهما : يجب عليه دية للسيد ، لأن ما وجب في القود في عمده وجبت الدية في خطئه .

والوجه الثاني : لا دية عليه ، لأنه في الخطأ متسلط ، وفي العمد ممنوع هذا ما يقتضيه مذهبه في القديم .

فأما قوله في الجديد فلم يختلف أن أخذ اليسرى في السرقة مجزئ عن قطع اليمنى ، وإن لم يجز في القصاص .

والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن حقوق الله تعالى موضوعة على المساهلة والمسامحة ، وحقوق العباد موضوعة على الاستقصاء والمشاحة ؟

والثاني : أن قطع اليمنى في السرقة يسقط بذهابها إذا تآكلت ، ولا يسقط حكم الجناية بذهابها في القصاص إذا تآكلت .

والثالث : أن يسرى السارق تقطع إذا عدم اليمنى ، ولا تقطع يسرى السارق بجاني إذا عدم اليمنى . فلهذه المعاني الثلاثة افترقا .

[ ص: 196 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية