فصل : فأما إذا  
جنى على نفسه خطأ فقطع يده بانقلاب سيفه عليه أو قتل نفسه بعود سهمه إليه  فجنايته هدر كالعمد في قول أكثر الفقهاء ، وعاقلته براء من ديته .  
وقال  
الأوزاعي   وأحمد   وإسحاق      : تتحمل عاقلته ما جناه على نفسه يؤدونه إليه إن كانت على طرف ، والورثة إن كانت على نفس ، استدلالا بما روي  أن رجلا ركب دابة      
[ ص: 358 ] له وضربها بخشبة كانت بيده فطارت منها شظية ففقأت عينه ، فذكر ذلك  
لعمر بن الخطاب      - رضي الله عنه - فقال : يده يد رجل من المسلمين وجعل الدية على عصبته .  
ودليلنا ما روي  
أن  عامر بن الأكوع   اعوج سيفه في قتال المشركين فقتل نفسه فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أبطل جهاده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أبطل جهاده  ولم ينقل أنه قضى بالدية في ماله ولا عاقلته ، وهذا وإن كان في العمد ففيه دليل على الخطأ .  
ويدل عليه ما روي  
أن  عوف بن مالك الأشجعي   ضرب مشركا بالسيف فرجع السيف إليه فقتله فامتنع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه وقالوا : قد أبطل جهاده ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مات مجاهدا شهيدا  فدل الظاهر على أن هذا جميع حكمه ، ولو وجبت الدية لأبانها ، لأنه لا يؤخر بيان الأحكام عن أوقاتها ، ولأن جناية العمد أغلظ من جناية الخطأ ، فلما أهدر عمده كان خطؤه أهدر ، ولأنه يواسى بدية الخطأ تخفيفا عنه ، وهو لا يلزمه بقتل نفسه ما تتحمله العاقلة تخفيفا عنه ، فصار هدرا وجرى مجرى استهلاكه مال نفسه لا يرجع ببدله على غيره ، فأما قضاء  
عمر   فهو قول واحد من الصحابة والقياس بخلافه فكان أولى منه والله أعلم .