مسألة : قال  
الشافعي   رضي الله عنه : "  
ولو شهد وارث أنه جرحه عمدا أو خطأ  ، لم أقبل : لأن الجرح قد يكون نفسا فيستوجب بشهادته الدية " .  
قال  
الماوردي      : وهذا صحيح : لأن  
كل شاهد جر بشهادته إلى نفسه نفعا ، أو دفع بها ضررا ، كانت شهادته مردودة     . فإذا شهد وارثا المجروح ، وهما أخواه أو عماه ، على رجل أنه جرحه ، لم تخل حال الشهادة من أحد أمرين :  
أحدهما : إما أن يكون بعد اندمال الجرح ، فشهادتهما مقبولة : لأنهما لا يجران بها نفعا ولا يدفعان بها ضررا ، سواء أوجبت القصاص أو الدية .  
والثاني : أن تكون الشهادة قبل اندمال الجرح فهي مردودة ، فلا تقبل لأمرين : أحدهما : أنها قد تسري إلى نفسه فيموت منها ، ويصيرا المستحقين لها ، فيصيرا شاهدين لأنفسهما .  
والثاني : أن المجروح مع بقاء الجراح متهم .  
ولورثة المريض الاعتراض عليه في مال ومنعه من التصرف فيما زاد على ثلثه ، كاعتراضهم عليه بعد موته ، ولا تجوز شهادتهم له بعد الموت ، فكذلك في المرض . فعلى هذا : إن كان الجرح مما يسري مثله إلى النفس جازت شهادتهما له على التعليل الأول ، ولم تجز شهادتهما له على التعليل الثاني . وكذلك  
لو شهد له وارثاه في مرضه بدين ، كان في قبول شهادتهما له وجهان     :  
أحدهما : وهو قول  
أبي إسحاق المروزي      : لا تقبل شهادتهما في الدين كما لا تقبل في الجرح ، وهو مقتضى التعليل الثاني .  
والوجه الثاني : وهو قول  
أبي الطيب بن سلمة      : أنها تقبل في الدين ، وإن لم تقبل      
[ ص: 84 ] في الجراح . والفرق بينهما : أن الدين يملكه المورث ، ثم ينتقل عنه إلى الوارث ، والدية يملكها الوارث عن الجاني ، فصار في الجناية شاهدا لنفسه ، فردت شهادته ، وفي الدين شاهدا لغيره فأمضيت شهادته ، وهذا مقتضى التعليل الأول . والله أعلم .