الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد وارث أنه جرحه عمدا أو خطأ ، لم أقبل : لأن الجرح قد يكون نفسا فيستوجب بشهادته الدية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح : لأن كل شاهد جر بشهادته إلى نفسه نفعا ، أو دفع بها ضررا ، كانت شهادته مردودة . فإذا شهد وارثا المجروح ، وهما أخواه أو عماه ، على رجل أنه جرحه ، لم تخل حال الشهادة من أحد أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : إما أن يكون بعد اندمال الجرح ، فشهادتهما مقبولة : لأنهما لا يجران بها نفعا ولا يدفعان بها ضررا ، سواء أوجبت القصاص أو الدية .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون الشهادة قبل اندمال الجرح فهي مردودة ، فلا تقبل لأمرين : أحدهما : أنها قد تسري إلى نفسه فيموت منها ، ويصيرا المستحقين لها ، فيصيرا شاهدين لأنفسهما .

                                                                                                                                            والثاني : أن المجروح مع بقاء الجراح متهم .

                                                                                                                                            ولورثة المريض الاعتراض عليه في مال ومنعه من التصرف فيما زاد على ثلثه ، كاعتراضهم عليه بعد موته ، ولا تجوز شهادتهم له بعد الموت ، فكذلك في المرض . فعلى هذا : إن كان الجرح مما يسري مثله إلى النفس جازت شهادتهما له على التعليل الأول ، ولم تجز شهادتهما له على التعليل الثاني . وكذلك لو شهد له وارثاه في مرضه بدين ، كان في قبول شهادتهما له وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا تقبل شهادتهما في الدين كما لا تقبل في الجرح ، وهو مقتضى التعليل الثاني .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي الطيب بن سلمة : أنها تقبل في الدين ، وإن لم تقبل [ ص: 84 ] في الجراح . والفرق بينهما : أن الدين يملكه المورث ، ثم ينتقل عنه إلى الوارث ، والدية يملكها الوارث عن الجاني ، فصار في الجناية شاهدا لنفسه ، فردت شهادته ، وفي الدين شاهدا لغيره فأمضيت شهادته ، وهذا مقتضى التعليل الأول . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية