الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وإن رمى بها فأخرجها من الحرز قطع " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، لا يخلو حاله في إخراج السرقة بعد هتكه حرزها من ثلاثة أحوال : [ ص: 294 ] أحدها : أن يدخل الحرز فيأخذ السرقة ويخرجها معه من الحرز ، فهذا يقطع بإجماع .

والحالة الثانية : أن يدخل الحرز ويأخذ السرقة ويرمي بها خارج الحرز ، أو يدفعها إلى رجل آخر خارج الحرز ، فهذا يقطع ، سواء ظفر بها بعد خروجها من الحرز أو لم يظفر ، حتى بالغ أصحابنا في هذا ، فقالوا : لو أخرج يده من الحرز والسرقة في يده ثم أعادها إلى حرزها قطع .

والحالة الثالثة : أن يقف خارج الحرز ويمد يده فيأخذ السرقة ، أو يمد خشبة فيجذب بها السرقة حتى يخرجها ، أو يدخل محجنا يمد به السرقة حتى يخرجها قطع . والمحجن : خشبة في رأسها حديدة معقوفة . حكي أن رجلا كان يسرق متاع الحاج بمحجنه ، فقيل له : تسرق متاع الحاج ؟ فقال : لست أسرق وإنما يسرق المحجن . فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رأيته يجر قصبه في النار يعني أمعاءه لما كان يتناول من مال الحاج .

فيجب قطعه في هذه الأحوال الثلاثة كلها : اعتبارا بخروجها من الحرز بفعله . وقال أبو حنيفة : لا يجب قطعه إلا في أحدها ، وهو إذا أخرجها معه بنفسه ، فأما إن رمى بها خارج الحرز فلا قطع : احتجاجا بأن وجوب القطع متعلق بشرطين :

أحدهما : هتك الحرز .

والثاني : إخراج السرقة والآخذ لها من خارج الحرز لم يهتكه ، والرامي بها من داخل الحرز لم يخرجها . فلم يجب على واحد منهما قطع حتى يجتمع فيه الشرطان : هتك الحرز بالدخول ، وتناول السرقة بالإخراج . فإن لم يجمع بينهما كان مستلبا ، أو مختلسا ولا قطع على مختلس ولا مستلب بنص السنة .

ودليلنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى على السارق بمحجنه حكم السرقة اسما ووعيدا : لأن شرطي القطع موجودان في الحالين .

أما هتك الحرز : فهو القدرة على ما فيه بعد امتناعه . وهذا قد وجد منه وإن لم يدخله . ألا ترى أن رب المال لو نقب حرزه ولم يحفظ ما فيه لم يقطع سارقه ، وإن دخله لهتك الحرز قبل دخوله .

ولو أدخل يده إلى كم رجل وأخذ ما فيه قطع ، وإن لم يدخله ، فلم يكن الدخول شرطا في هتك الحرز .

وأما إخراج السرقة : فهو أن يكون خروجها منه بفعله ، وهذا موجود فيما إذا رماه من داخله ، أو جذبه من خارجه : لأنه قد صار مخرجا لها بفعله ولو سقط القطع عنه ، إلا أن يباشر حملها من حرزه لصار ذلك ذريعة إلى انتهاك الأموال بغير زاجر عنها ، ولا [ ص: 295 ] مانع منها . وهذا فساد ، وفيه انفصال ، وعلى هذا الأصل يتفرع جميع ما نذكره .

فمن فروعه أن يشترك اثنان في نقب حرز ويدخله أحدهما فيأخذ السرقة بيده ولا يخرج من الحرز ، ويأخذها الآخر منه ولا يدخل فينظر ، فإن كانت يد الداخل قد خرجت بالسرقة من الحرز قطع الداخل دون الخارج : لأنه المخرج من الحرز .

وعند أبي حنيفة : لا يقطع : لأنه لم يخرج معها من الحرز ، وإن كان الخارج قد أدخل يده إلى الحرز ، وأخذها منه قطع الخارج دون الداخل : لأنه هو المخرج لها من الحرز .

وعند أبي حنيفة : لا يقطع : لأنه لم يدخل إلى الحرز فيسقط القطع عن كل واحد منهما في الحالين .

وعندنا يجب القطع في الحالين على الداخل إذا أخرج يده ، وعلى الخارج إذا أدخل يده .

التالي السابق


الخدمات العلمية