الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن رمى بها فأخرجها من الحرز قطع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، لا يخلو حاله في إخراج السرقة بعد هتكه حرزها من ثلاثة أحوال : [ ص: 294 ] أحدها : أن يدخل الحرز فيأخذ السرقة ويخرجها معه من الحرز ، فهذا يقطع بإجماع .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يدخل الحرز ويأخذ السرقة ويرمي بها خارج الحرز ، أو يدفعها إلى رجل آخر خارج الحرز ، فهذا يقطع ، سواء ظفر بها بعد خروجها من الحرز أو لم يظفر ، حتى بالغ أصحابنا في هذا ، فقالوا : لو أخرج يده من الحرز والسرقة في يده ثم أعادها إلى حرزها قطع .

                                                                                                                                            والحالة الثالثة : أن يقف خارج الحرز ويمد يده فيأخذ السرقة ، أو يمد خشبة فيجذب بها السرقة حتى يخرجها ، أو يدخل محجنا يمد به السرقة حتى يخرجها قطع . والمحجن : خشبة في رأسها حديدة معقوفة . حكي أن رجلا كان يسرق متاع الحاج بمحجنه ، فقيل له : تسرق متاع الحاج ؟ فقال : لست أسرق وإنما يسرق المحجن . فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رأيته يجر قصبه في النار يعني أمعاءه لما كان يتناول من مال الحاج .

                                                                                                                                            فيجب قطعه في هذه الأحوال الثلاثة كلها : اعتبارا بخروجها من الحرز بفعله . وقال أبو حنيفة : لا يجب قطعه إلا في أحدها ، وهو إذا أخرجها معه بنفسه ، فأما إن رمى بها خارج الحرز فلا قطع : احتجاجا بأن وجوب القطع متعلق بشرطين :

                                                                                                                                            أحدهما : هتك الحرز .

                                                                                                                                            والثاني : إخراج السرقة والآخذ لها من خارج الحرز لم يهتكه ، والرامي بها من داخل الحرز لم يخرجها . فلم يجب على واحد منهما قطع حتى يجتمع فيه الشرطان : هتك الحرز بالدخول ، وتناول السرقة بالإخراج . فإن لم يجمع بينهما كان مستلبا ، أو مختلسا ولا قطع على مختلس ولا مستلب بنص السنة .

                                                                                                                                            ودليلنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى على السارق بمحجنه حكم السرقة اسما ووعيدا : لأن شرطي القطع موجودان في الحالين .

                                                                                                                                            أما هتك الحرز : فهو القدرة على ما فيه بعد امتناعه . وهذا قد وجد منه وإن لم يدخله . ألا ترى أن رب المال لو نقب حرزه ولم يحفظ ما فيه لم يقطع سارقه ، وإن دخله لهتك الحرز قبل دخوله .

                                                                                                                                            ولو أدخل يده إلى كم رجل وأخذ ما فيه قطع ، وإن لم يدخله ، فلم يكن الدخول شرطا في هتك الحرز .

                                                                                                                                            وأما إخراج السرقة : فهو أن يكون خروجها منه بفعله ، وهذا موجود فيما إذا رماه من داخله ، أو جذبه من خارجه : لأنه قد صار مخرجا لها بفعله ولو سقط القطع عنه ، إلا أن يباشر حملها من حرزه لصار ذلك ذريعة إلى انتهاك الأموال بغير زاجر عنها ، ولا [ ص: 295 ] مانع منها . وهذا فساد ، وفيه انفصال ، وعلى هذا الأصل يتفرع جميع ما نذكره .

                                                                                                                                            فمن فروعه أن يشترك اثنان في نقب حرز ويدخله أحدهما فيأخذ السرقة بيده ولا يخرج من الحرز ، ويأخذها الآخر منه ولا يدخل فينظر ، فإن كانت يد الداخل قد خرجت بالسرقة من الحرز قطع الداخل دون الخارج : لأنه المخرج من الحرز .

                                                                                                                                            وعند أبي حنيفة : لا يقطع : لأنه لم يخرج معها من الحرز ، وإن كان الخارج قد أدخل يده إلى الحرز ، وأخذها منه قطع الخارج دون الداخل : لأنه هو المخرج لها من الحرز .

                                                                                                                                            وعند أبي حنيفة : لا يقطع : لأنه لم يدخل إلى الحرز فيسقط القطع عن كل واحد منهما في الحالين .

                                                                                                                                            وعندنا يجب القطع في الحالين على الداخل إذا أخرج يده ، وعلى الخارج إذا أدخل يده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية