الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت بالنار ، ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد ، ثم خلي " . قال الماوردي : قد ذكرنا في أحكام الأقسام حكم القطع في أخذ المال وحده ، وأنه يجمع بين قطع يده اليمنى ورجله اليسرى : لقول الله تعالى : أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف [ المائدة : 33 ] فإن قطع متولي الأمر يمنى يديه ويمنى رجليه تعدى ، ولزمه القود في يمنى رجليه إن عمد ، وديتها إن أخطأ ، ولم يسقط بذلك قطع [ ص: 363 ] رجله اليسرى ، ولو قطع يده اليسرى ورجله اليمنى أساء ، ولم يضمن ، ووقع ذلك موقع الإجزاء . والفرق بينهما : أن قطعهما من خلاف نص يوجب مخالفة الضمان ، وتقديم اليمنى على اليسرى في الحرابة اجتهاد ، فسقط لمخالفة الضمان . وإذا قطع حسم بالزيت المغلي أو بالنار بحسب العرف فيهما ، فإن أحب المقطوع أن يترك حسمه بالنار أو بالزيت ، ففيه وجهان : أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ، يجاب إلى ذلك ولا يحسم : لأنه علاج لا يجبر عليه ، كالدواء . والثاني : لا يجاب إليه ويحسم جبرا : حراسة لنفسه ، وأن فعله غير موقوف على إذنه : لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به . ولا يشهر بعد قطعه : لأنه زيادة نكال بعد استيفاء الحد ، إلا أن يرى الإمام أن قطعه لم يشتهر في أهل الفساد فلا بأس أن يشهر قدر ما يشتهر فيهم حاله . ويخليه ليتصرف لنفسه أين شاء . فأما المقطوع من أطرافه فيدفن ولا يستبقى ، إلا أن يرى الإمام إشهار أطرافه ليرتدع بها الناس ، فلا بأس به . فإن التمس المقطوع أطراف نفسه كان أحق بها : ليتولى دفنها . فإن أراد استبقاءها لتدفن معه إذا مات منع .

التالي السابق


الخدمات العلمية