الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو كان رجل أغلف أو امرأة لم تخفض ، فأمر السلطان فعزرا فماتا ، لم يضمن السلطان : لأنه كان عليهما أن يفعلا ، إلا أن يعزرهما في حر شديد أو برد مفرط ، الأغلب أنه لا يسلم من عزر في مثله ، فيضمن عاقلته الدية " .

قال الماوردي : أما الختان ففرض واجب في الرجال والنساء . [ ص: 431 ] وقال أبو حنيفة : هو سنة يأثم بتركه . على قول العراقيين من أصحابه .

وقال الخراسانيون منهم : هو واجب وليس بفرض . كما قالوه في الوتر والأضحية ، بناء على أصلهم في الفرق بين الفرض والواجب .

واستدلالا بما روى قتادة ، عن أبي المليح ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : عشر من الفطرة : المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وإحفاء الشارب ، وإعفاء اللحية ، وقلم الأظفار ، وغسل البراجم ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، والختان فلما جعله من الفطرة ، والظاهر من الفطرة أنه السنة ، وقرنه بما ليس بواجب ، دل على أنه غير واجب . قال : ولأنه قطع الشيء من الجسد يقصد به التنظيف ، فوجب أن يكون مستحبا كتقليم الأظفار وحلق الشعر .

وقال : ولأن المقصود بالختان إزالة القلفة التي تغشى الحشفة : ليمكن إزالة البول عنها ، وهو معفو عنه عندهم ، فدل على أنه ليس بواجب .

ودليلنا : قول الله عز وجل : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا [ النحل : 123 ] ، وكان إبراهيم أول من اختتن بالقدوم ، روي مخففا ومشددا ، فمن رواه مخففا جعله اسم المكان الذي اختتن فيه ، ومن رواه مشددا جعله اسم الفأس الذي اختتن به .

وقيل : اختتن وهو ابن سبعين سنة .

وقيل : ثمانين سنة ، ولا يفعل ذلك بهذه السن إلا عن أمر الله تعالى ووحيه .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل أسلم : ألق عنك شعر الكفر واختتن فهذا أمر يقتضي الوجوب .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أيما رجل حج قبل أن يختتن لم يقبل حجه . قال ذلك على وجه المبالغة تأكيدا لإيجابه . [ ص: 432 ] ومن الاعتبار : أنه قطع تعبد من جسده ما لا يستخلف بعد قطعه : فوجب أن يكون فرضا كالقطع في السرقة .

وقولنا : تعبدا . احترازا عن قطع الأكل من الجسد ، فإنها غير واجبة .

وقولنا : ما لا يستخلف احترازا من الشعر والأظفار : ولأن في الختان قطع عضو وإدخال ألم على النفس ، وذلك لا يجوز إلا في واحد من ثلاثة : إما المصلحة ، أو عقوبة ، أو واجب ، فلما لم يكن في الختان مصلحة ولا عقوبة ، دل على أنه واجب .

وأما الجواب عن قوله : الختان سنة مع ضعف طريقه فمن وجهين :

أحدهما : أن السنة هي الطريقة المتبعة قد يكون ذلك واجبا ومستحبا ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي .

والثاني : أنه أشار بالسنة إلى ما قبل البلوغ : لأن وجوبه يكون بعد البلوغ .

وأما الجواب عن قوله : عشر من الفطرة ، فهو أن الفطرة الدين ، قال الله تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها [ الروم : 30 ] يعني دينهم الذي فطرهم عليه .

وما قرن به من غير الواجبات لا يدل على أنه في حكمها : لأنه قد يقترن الواجب بغير واجب ، كما قال تعالى : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده [ الأنعام : 141 ] .

وأما الجواب عن قياسهم عن الحلق والتقليم ، فمن ثلاثة أوجه :

أحدها : أن قولهم : يقصد به التنظيف غير مسلم : لأنه يقصد به تأدية الفرض دون التنظيف : لأن مقصود التنظيف بالماء دون غيره ، ولأنه يمكن غسل البول مع بقائه .

والثاني : أنه لا يمتنع وإن قصد به التنظيف أن يكون فرضا كالوضوء والغسل من الجنابة .

والثالث : أنه لما لم يأثم بترك الشعر وأثم بترك الختان ، دل على افتراقهما في حكم الوجوب ، وفي هذا جواب استدلالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية