مسألة : قال
الشافعي : " ولو
nindex.php?page=treesubj&link=10651_10652كان رجل أغلف أو امرأة لم تخفض ، فأمر السلطان فعزرا فماتا ، لم يضمن السلطان : لأنه كان عليهما أن يفعلا ، إلا أن يعزرهما في حر شديد أو برد مفرط ، الأغلب أنه لا يسلم من عزر في مثله ، فيضمن عاقلته الدية " .
قال
الماوردي : أما
nindex.php?page=treesubj&link=739_740الختان ففرض واجب في الرجال والنساء .
[ ص: 431 ] وقال
أبو حنيفة : هو سنة يأثم بتركه . على قول
العراقيين من أصحابه .
وقال
الخراسانيون منهم : هو واجب وليس بفرض . كما قالوه في الوتر والأضحية ، بناء على أصلهم في الفرق بين الفرض والواجب .
واستدلالا بما روى
قتادة ، عن
أبي المليح ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924799عشر من الفطرة : المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وإحفاء الشارب ، وإعفاء اللحية ، وقلم الأظفار ، وغسل البراجم ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، والختان فلما جعله من الفطرة ، والظاهر من الفطرة أنه السنة ، وقرنه بما ليس بواجب ، دل على أنه غير واجب . قال : ولأنه قطع الشيء من الجسد يقصد به التنظيف ، فوجب أن يكون مستحبا كتقليم الأظفار وحلق الشعر .
وقال : ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=741المقصود بالختان إزالة القلفة التي تغشى الحشفة : ليمكن إزالة البول عنها ، وهو معفو عنه عندهم ، فدل على أنه ليس بواجب .
ودليلنا : قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا [ النحل : 123 ] ، وكان
nindex.php?page=treesubj&link=743إبراهيم أول من اختتن بالقدوم ، روي مخففا ومشددا ، فمن رواه مخففا جعله اسم المكان الذي اختتن فيه ، ومن رواه مشددا جعله اسم الفأس الذي اختتن به .
وقيل : اختتن وهو ابن سبعين سنة .
وقيل : ثمانين سنة ، ولا يفعل ذلك بهذه السن إلا عن أمر الله تعالى ووحيه .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل أسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924800ألق عنك شعر الكفر واختتن فهذا أمر يقتضي الوجوب .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
أيما رجل حج قبل أن يختتن لم يقبل حجه . قال ذلك على وجه المبالغة تأكيدا لإيجابه .
[ ص: 432 ] ومن الاعتبار : أنه قطع تعبد من جسده ما لا يستخلف بعد قطعه : فوجب أن يكون فرضا كالقطع في السرقة .
وقولنا : تعبدا . احترازا عن قطع الأكل من الجسد ، فإنها غير واجبة .
وقولنا : ما لا يستخلف احترازا من الشعر والأظفار : ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=741_738في الختان قطع عضو وإدخال ألم على النفس ، وذلك لا يجوز إلا في واحد من ثلاثة : إما المصلحة ، أو عقوبة ، أو واجب ، فلما لم يكن في الختان مصلحة ولا عقوبة ، دل على أنه واجب .
وأما الجواب عن قوله : الختان سنة مع ضعف طريقه فمن وجهين :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=21369السنة هي الطريقة المتبعة قد يكون ذلك واجبا ومستحبا ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920574عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي .
والثاني : أنه أشار بالسنة إلى ما قبل البلوغ : لأن وجوبه يكون بعد البلوغ .
وأما الجواب عن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924802عشر من الفطرة ، فهو أن الفطرة الدين ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=29001فطرة الله التي فطر الناس عليها [ الروم : 30 ] يعني دينهم الذي فطرهم عليه .
وما قرن به من غير الواجبات لا يدل على أنه في حكمها : لأنه قد يقترن الواجب بغير واجب ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده [ الأنعام : 141 ] .
وأما الجواب عن قياسهم عن الحلق والتقليم ، فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أن قولهم : يقصد به التنظيف غير مسلم : لأنه يقصد به تأدية الفرض دون التنظيف : لأن مقصود التنظيف بالماء دون غيره ، ولأنه يمكن غسل البول مع بقائه .
والثاني : أنه لا يمتنع وإن قصد به التنظيف أن يكون فرضا كالوضوء والغسل من الجنابة .
والثالث : أنه لما لم يأثم بترك الشعر وأثم بترك الختان ، دل على افتراقهما في حكم الوجوب ، وفي هذا جواب استدلالهم .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10651_10652كَانَ رَجُلٌ أَغْلَفُ أَوِ امْرَأَةٌ لَمْ تَخْفِضْ ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ فَعُزِّرَا فَمَاتَا ، لَمْ يَضْمَنِ السُّلْطَانُ : لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا ، إِلَّا أَنْ يُعَزِّرَهُمَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ ، الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مَنْ عُزِّرَ فِي مِثْلِهِ ، فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=739_740الْخِتَانُ فَفَرْضٌ وَاجِبٌ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
[ ص: 431 ] وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ سُنَّةٌ يُأْثَمُ بِتَرْكِهِ . عَلَى قَوْلِ
الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ
الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْهُمْ : هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ . كَمَا قَالُوهُ فِي الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ .
وَاسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَى
قَتَادَةُ ، عَنْ
أَبِي الْمُلَيْحِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924799عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : الْمَضْمَضَةُ ، وَالِاسْتِنْشَاقُ ، وَالسِّوَاكُ ، وَإِحْفَاءُ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ ، وَالْخِتَانُ فَلَمَّا جَعَلَهُ مِنَ الْفِطْرَةِ ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْفِطْرَةِ أَنَّهُ السُّنَّةُ ، وَقَرَنَهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ . قَالَ : وَلِأَنَّهُ قَطْعُ الشَّيْءِ مِنَ الْجَسَدِ يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا كَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ .
وَقَالَ : وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=741الْمَقْصُودَ بِالْخِتَانِ إِزَالَةُ الْقُلْفَةِ الَّتِي تَغْشَى الْحَشَفَةَ : لِيُمْكِنَ إِزَالَةُ الْبَوْلِ عَنْهَا ، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَهُمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ .
وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [ النَّحْلِ : 123 ] ، وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=743إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ مَنِ اخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ ، رُوِيَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا ، فَمَنْ رَوَاهُ مُخَفَّفًا جَعَلَهُ اسْمَ الْمَكَانِ الَّذِي اخْتَتَنَ فِيهِ ، وَمَنْ رَوَاهُ مُشَدَّدًا جَعَلَهُ اسْمَ الْفَأْسِ الَّذِي اخْتَتَنَ بِهِ .
وَقِيلَ : اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً .
وَقِيلَ : ثَمَانِينَ سَنَةً ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَذِهِ السِّنِّ إِلَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924800أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ فَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
أَيُّمَا رَجُلٍ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَخْتَتِنَ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ . قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ تَأْكِيدًا لِإِيجَابِهِ .
[ ص: 432 ] وَمِنَ الِاعْتِبَارِ : أَنَّهُ قَطْعُ تَعَبُّدٍ مِنْ جَسَدِهِ مَا لَا يُسْتَخْلَفُ بَعْدَ قَطْعِهِ : فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ .
وَقَوْلُنَا : تَعَبُّدًا . احْتِرَازًا عَنْ قَطْعِ الْأَكَلِ مِنَ الْجَسَدِ ، فَإِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
وَقَوْلُنَا : مَا لَا يُسْتَخْلَفُ احْتِرَازًا مِنَ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ : وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=741_738فِي الْخِتَانِ قَطْعَ عُضْوٍ وَإِدْخَالَ أَلَمٍ عَلَى النَّفْسِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِمَّا الْمَصْلَحَةُ ، أَوْ عُقُوبَةٌ ، أَوْ وَاجِبٌ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخِتَانِ مَصْلَحَةٌ وَلَا عُقُوبَةٌ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : الْخِتَانُ سُنَّةٌ مَعَ ضَعْفِ طَرِيقِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21369السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُتَّبَعَةُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920574عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَشَارَ بِالسُّنَّةِ إِلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ : لِأَنَّ وُجُوبَهُ يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924802عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ ، فَهُوَ أَنَّ الْفِطْرَةَ الدِّينُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=29001فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [ الرُّومِ : 30 ] يَعْنِي دِينَهُمُ الَّذِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهِ .
وَمَا قَرَنَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْوَاجِبَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي حُكْمِهَا : لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ الْوَاجِبُ بِغَيْرِ وَاجِبٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [ الْأَنْعَامِ : 141 ] .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَنِ الْحَلْقِ وَالتَّقْلِيمِ ، فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُمْ : يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفَ غَيْرَ مُسَلَّمٍ : لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ تَأْدِيَةُ الْفَرْضِ دُونَ التَّنْظِيفِ : لِأَنَّ مَقْصُودَ التَّنْظِيفِ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ الْبَوْلِ مَعَ بَقَائِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّنْظِيفَ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِ الشَّعْرِ وَأَثِمَ بِتَرْكِ الْخِتَانِ ، دَلَّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الْوُجُوبِ ، وَفِي هَذَا جَوَابُ اسْتِدْلَالِهِمْ .