الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن فرض الجهاد الآن مستقر على الكفاية دون الأعيان فالذي يلزم من فرض الجهاد شيئان :

أحدهما : كف العدو عن بلاد الإسلام أن يتخطفها لينتشر المسلمون فيها آمنين على نفوسهم وأموالهم ، فإن أظل العدو عليهم وخافوه على بلادهم تعين فرض الجهاد [ ص: 113 ] على كل من أطاقه وقدر عليه من البلاد التي أظلها العدو ، وكان فرضه على غيرهم باقيا على الكفاية .

والثاني : أن يطلب المسلمون بلاد المشركين ليقاتلوهم على الدين حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية إن لم يسلموا : لأن الله تعالى فرض الجهاد لنصرة دينه ، فقال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [ البقرة : 193 ] . وهذا مما لا يتعين فرض الجهاد فيه ، ولا يكون إلا على الكفاية ، وإن جاز أن يتعين في الأول ، ولا يجوز للإمام وكافة المسلمين أن يقتصروا في الجهاد على أحد هذين الأمرين حتى يجمعوا بينهما فيذبوا عن بلاد الإسلام ، ويقاتلوا على بلاد الشرك ، فإن وقع الاقتصار على أحدهما حرج أهل الجهاد لإخلالهم بفرض الكفاية .

وفرض الكفاية ما إذا قام به بعضهم سقط فرضه عن الباقين ، وفرض الأعيان ما لا يسقط فرضه إلا عن فاعله ، والكفاية في الجهاد تكون من وجهين :

أحدهما : أن يتولاه الإمام بنفسه ويقوم فيه بحقه فيسقط فرضه عن الكافة لمباشرة الإمام له بأعوانه .

والثاني : أن تكون ثغور المسلمين مشحونة من المقاتلة بمن يذب عنها ويقاتل من يتصل بها : فيسقط بهم فرض الجهاد عمن خلفهم ، فإن ضعفوا واستنفروا وجب على من وراءهم من المسلمين أن يمدوهم من أنفسهم بمن يتقوون به على قتال عدوهم ، ويصير جميع من تخلف عن إمدادهم داخلا في فرض الكفاية حتى يمدوهم بأهل الكفاية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم وفي تسميته جهادا تأويلان :

أحدهما : لأنه يجهد في قهر عدوه .

والثاني : لأنه يبذل فيه جهد نفسه .

روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال وقد رجع من بعض غزواته : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر يعني : جهاد النفس .

التالي السابق


الخدمات العلمية