الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الجلالة وألبانها وروى نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الجلالة والمجثمة وعن المصبورة .

فأما الجلالة فهي التي ترعى الجلة ، وهي البعر والعذرة ، فحمل بعض أصحاب الحديث النهي على التحريم ، وبه قال سفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل .

وعندي أنه محمول على الكراهة دون التحريم ، لأن النهي عنها وارد ، لأجل ما تأكله من الأنجاس ، وهي تغتذيه في كرشها ، والعلف الطاهر ينجس في الكرش ، فساوى في حصوله منه حال النجس ، ولأن لحوم ما ترعى الأنجاس نتن ، وأكل اللحم إذا نتن يحرم ، وإذا كان هكذا فكلما كان أكثر غذائه رعي الأنجاس كان أكل لحمه وشرب لبنه مكروها .

فأما ركوبه فيكره إذا كان عريا لنتن عرقه ، ولا يكره إذا كان موكفا أو مسرجا ، فإن كان أكثر ما يغتذيه طاهرا ، وإن اغتذى في بعضها نجسا لم يكره اعتبارا بالأغلب ، ويختار في الجلالة إذا أريد شرب لبنها أو أكل لحمها أن تحبس عن الأقذار بالعلف الطاهر في البعير أربعين يوما ، وفي البقرة ثلاثين يوما ، وفي الشاة سبعة أيام ، وفي الدجاجة ثلاثة أيام ، وليست هذه المقادير توقيفا لا يزاد عليه ، ولا ينقص منه ، لأن المقصود زوال ما أنتن من أبدانها ، والأغلب أنها تزول بهذه المقادير ، فإن زالت بأقل منها زالت الكراهة ، وإن لم تزل فيها بقيت الكراهة حتى تزول مما زاد عليها ، فإن أكل [ ص: 148 ] منها قبل علفها نظر في رائحة لحمها ، فإن لم يتغير بأكل النجاسة كان حلالا ، وإن تغير بها فإن كان يسيرا لم يستوعب رائحة تلك النجاسة حل أكله ، وإن كانت كثيرة قد استوعبت رائحة تلك النجاسة أو قاربها ، ففي إباحة أكله وجهان حكاهما ابن أبي هريرة :

أحدهما : مباح ، لأنه من أصل مأكول .

والثاني : أنه حرام ، لأنه قد صار من الخبائث ، وهكذا نقول في الجدي إذا ارتضع من لبن كلبة أو خنزيرة حتى نبت له لحمه كانت إباحة أكله على هذين الوجهين : فأما المجثمة التي روى ابن عباس النهي عنها ، فهي التي جثمت على الموت بضرب أو غيره ، وفرق بين الصيد الجاثم والمجثوم ، فالجاثم الممتنع ، ويحل أكله إذا جثم بحديدة ، والمجثوم المقدور عليه لا يحل أكله إلا بذكاة .

والمصبورة : هي التي حبست عن الطعام والشراب حتى ماتت ، ولا يحل أكلها في ممتنع ، ولا مقدور عليه .

وأما المختطفة ففيها وجهان :

أحدهما : ما اختطفه السبع من الحيوان أكله حرام ، قاله ابن قتيبة .

والثاني : أنها النهبة لاختطافها بسرعة ومنه سمي الخطاف لسرعته ، قاله ابن جرير .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تتخذوا ذا الروح غرضا وهو رمي الحيوان حتى يموت ، فإن كان من مقدور عليه حرم أكله ، وإن كان من ممتنع حل أكله ، إن كان بمحدد ، وحرم إن كان بمثقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية