الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 180 ] كتاب السبق والرمي

قال الشافعي رحمه الله : أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر .

قال الماوردي : الأصل في إباحة السبق والرمي قول الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ الأنفال : 60 ] فروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : قال الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا وإن القوة الرمي ثلاثا .

وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارتبطوا الخيل ، فإن ظهورها لكم عز وأجوافها لكم كنز فموضع الدليل من هذه الآية أنه لما أمر بإعداد الرمي والخيل للعدو في حربه ، وذلك لا يكون إلا بالتعليم والثقة بالسبق والإصابة ، فدل على إباحة ما دعا إليهما .

وقال تعالى فيما حكاه عن إخوة يوسف : قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ، وفي قوله : نستبق تأويلان :

أحدهما : ننتضل من السباق في الرمي . قاله الزجاج .

والثاني : أنه أرادوا السبق بالسعي على الأقدام .

وموضع الدليل في هذا هو : أنهم أخبروا بذلك نبيا لم ينكره عليهم ، فدل على إباحته في شرعه ، وما تقدم به شرع لم يتعقبه نسخ كان معمولا به .

وقال تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] وفي هذا الرمي تأويلان :

أحدهما : ما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض يوم أحد قبضة من تراب رماهم بها ، وقال : شاهت الوجوه أي : قبحت ، فألقى الله تعالى القبضة في أبصارهم حتى شغلتهم بأنفسهم ، وأظفر المسلمين بهم .

[ ص: 181 ] والثاني : أنه أراد في أصحابه بالسهام ، فأضاف رميهم إليه : لأنهم رموا عنه ، ومن قوله : ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] تأويلان :

أحدهما : معناه : وما ظفرتم إذ رميت ولكن الله أظفركم .

والثاني : أنه أراد ما أرسله من الريح المعينة لسهامهم ، حتى أصابت ، فلما أعانهم الله على الرمي كان كل عون عليه مندوبا إليه .

والدليل عليه من السنة مع الحديث الذي رواه الشافعي في صدر الباب ما رواه الشافعي عن عبد الوهاب ، عن حميد ، عن أنس ، قال : كانت ناقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء ، فكانت لا تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له ، فسبقها ، فاشتد ذلك على المسلمين ، وقالوا : يا رسول الله ، سبقت العضباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق على الله أن لا يرفع الناس شيئا إلا وضعه الله .

وروى الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وأن عبد الله بن عمر فيمن سابق لها وقيل : إن من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال ، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ثلاثة أميال .

وروى الشافعي ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قال : سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته ، فلما حملت اللحم سابقني ، فسبقني ، فقال لي : يا عائشة هذه بتلك .

وروى الشافعي ، عن سفيان ، عن شبيب بن غرقدة ، عن أبيه ، عن عروة البارقي قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة .

وروى أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يرمون ، فقال : ارموا بني إسماعيل : فإن أباكم كان راميا ، ارموا وأنا مع ابن الأذرع ، فأمسك القوم قسيهم ، وقالوا : من كنت معه غلب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارموا وأنا معكم كلكم .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لسعد بن أبي وقاص يوم أحد : ارم فداك أبي وأمي ، اثنتي عشرة مرة ودعا له ، فقال : اللهم أجب دعوته ، وسدد رميته وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : احضروا الهدف ، فإن الملائكة تحضره ، وإن بين الهدفين لروضة من رياض الجنة .

[ ص: 182 ] وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال لجماعة من قريش : تمعددوا واخشوشنوا : واحتفوا ، واركبوا وارموا ، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، وربما أسند هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وفي قوله : " تمعددوا " تأويلان :

أحدهما : انتسبوا إلى معد وعدنان .

والثاني : تكلموا بلسان معد وعدنان .

وفي قول : " واخشوشنوا " تأويلان :

أحدهما : كونوا في أموركم خشنا أجلادا .

والثاني : البسوا أخشن الثياب .

وفي قوله : " واحتفوا " تأويلان :

أحدهما : امشوا حفاة .

والثاني : حفوا شواربكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية