الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 180 ] كتاب السبق والرمي

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر .

                                                                                                                                            قال الماوردي : الأصل في إباحة السبق والرمي قول الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ الأنفال : 60 ] فروى عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : قال الله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا وإن القوة الرمي ثلاثا .

                                                                                                                                            وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارتبطوا الخيل ، فإن ظهورها لكم عز وأجوافها لكم كنز فموضع الدليل من هذه الآية أنه لما أمر بإعداد الرمي والخيل للعدو في حربه ، وذلك لا يكون إلا بالتعليم والثقة بالسبق والإصابة ، فدل على إباحة ما دعا إليهما .

                                                                                                                                            وقال تعالى فيما حكاه عن إخوة يوسف : قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ، وفي قوله : نستبق تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : ننتضل من السباق في الرمي . قاله الزجاج .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أرادوا السبق بالسعي على الأقدام .

                                                                                                                                            وموضع الدليل في هذا هو : أنهم أخبروا بذلك نبيا لم ينكره عليهم ، فدل على إباحته في شرعه ، وما تقدم به شرع لم يتعقبه نسخ كان معمولا به .

                                                                                                                                            وقال تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] وفي هذا الرمي تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض يوم أحد قبضة من تراب رماهم بها ، وقال : شاهت الوجوه أي : قبحت ، فألقى الله تعالى القبضة في أبصارهم حتى شغلتهم بأنفسهم ، وأظفر المسلمين بهم .

                                                                                                                                            [ ص: 181 ] والثاني : أنه أراد في أصحابه بالسهام ، فأضاف رميهم إليه : لأنهم رموا عنه ، ومن قوله : ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : معناه : وما ظفرتم إذ رميت ولكن الله أظفركم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أراد ما أرسله من الريح المعينة لسهامهم ، حتى أصابت ، فلما أعانهم الله على الرمي كان كل عون عليه مندوبا إليه .

                                                                                                                                            والدليل عليه من السنة مع الحديث الذي رواه الشافعي في صدر الباب ما رواه الشافعي عن عبد الوهاب ، عن حميد ، عن أنس ، قال : كانت ناقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء ، فكانت لا تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له ، فسبقها ، فاشتد ذلك على المسلمين ، وقالوا : يا رسول الله ، سبقت العضباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق على الله أن لا يرفع الناس شيئا إلا وضعه الله .

                                                                                                                                            وروى الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وأن عبد الله بن عمر فيمن سابق لها وقيل : إن من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال ، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ثلاثة أميال .

                                                                                                                                            وروى الشافعي ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قال : سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته ، فلما حملت اللحم سابقني ، فسبقني ، فقال لي : يا عائشة هذه بتلك .

                                                                                                                                            وروى الشافعي ، عن سفيان ، عن شبيب بن غرقدة ، عن أبيه ، عن عروة البارقي قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                            وروى أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يرمون ، فقال : ارموا بني إسماعيل : فإن أباكم كان راميا ، ارموا وأنا مع ابن الأذرع ، فأمسك القوم قسيهم ، وقالوا : من كنت معه غلب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارموا وأنا معكم كلكم .

                                                                                                                                            وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لسعد بن أبي وقاص يوم أحد : ارم فداك أبي وأمي ، اثنتي عشرة مرة ودعا له ، فقال : اللهم أجب دعوته ، وسدد رميته وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : احضروا الهدف ، فإن الملائكة تحضره ، وإن بين الهدفين لروضة من رياض الجنة .

                                                                                                                                            [ ص: 182 ] وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال لجماعة من قريش : تمعددوا واخشوشنوا : واحتفوا ، واركبوا وارموا ، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، وربما أسند هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                            وفي قوله : " تمعددوا " تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : انتسبوا إلى معد وعدنان .

                                                                                                                                            والثاني : تكلموا بلسان معد وعدنان .

                                                                                                                                            وفي قول : " واخشوشنوا " تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : كونوا في أموركم خشنا أجلادا .

                                                                                                                                            والثاني : البسوا أخشن الثياب .

                                                                                                                                            وفي قوله : " واحتفوا " تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : امشوا حفاة .

                                                                                                                                            والثاني : حفوا شواربكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية