فصل : فإذا ثبت انعقاد النذر بقصد  
بيت الله الحرام   لم يخل حال منذره من ثلاثة أقسام :   
[ ص: 469 ] أحدها : أن  
يريد قصده لحج أو عمرة ،  فقد تعين نذره بما أراده من حج ، أو عمرة ، فإن أراد الحج لم تجزه العمرة ، ولو أراد العمرة لم يجزه الحج ، وإن قرن بين الحج والعمرة أجزأه القران عن إفراد كل واحد من الحج والعمرة .  
والقسم الثاني : أن  
يريد بقصد  البيت الحرام   أن لا يحج ولا يعتمر  ففي النذر وجهان :  
أحدهما : باطل لاستثناء مقصوده ، ولا شيء عليه .  
والوجه الثاني : أنه صحيح لعود الاستثناء إلى الحكم ، دون العقد . فعلى هذا في الشرط وجهان :  
أحدهما : أنه باطل ؛ لأنه ينافي حكم النذور ، وعليه أن يحرم بحج أو عمرة .  
والوجه الثاني : أن الشرط صحيح ، ولا يلزمه الإحرام بحج ولا عمرة لاتصال الشرط بالنذر ، فصار محمولا عليه ، فعلى هذا فيه وجهان :  
أحدهما : أنه يلزمه أن يضم إلى قصد البيت عبادة من طواف ، أو صلاة ، أو صيام ، أو اعتكاف ، ليصير القصد طاعة ، إذا اقترن بطاعة .  
والوجه الثاني : لا يلزمه أن يقرن بالقصد طاعة ، لأن قصد البيت طاعة ومشاهدته قربة ، فلم يلزمه إلا ما التزم فصار في مجموع هذا التفصيل أربعة أوجه :  
أحدها : أن النذر باطل .  
والثاني : أنه صحيح ، والشرط باطل .  
والثالث : أن النذر والشرط صحيحان ، وعليه فعل عبادة .  
والرابع : أنهما صحيحان ، وليس عليه عبادة غير القصد .  
والقسم الثالث : أن  
يطلق نذره بقصد  البيت الحرام ،   ولا يقترن به إرادة ،  فمذهب  
الشافعي   وما عليه جمهور أصحابه عليه أن يأتي فيه بحج أو عمرة ، ويكون إطلاق النذر معقودا بأحد النسكين من حج أو عمرة ، لأنه مقصود بهما شرعا ؛ فصار مقصودا بهما نذرا .  
وذهب  
أبو علي بن أبي هريرة      : أنه مبني على اختلاف قولي  
الشافعي   فيمن  
أراد دخول  مكة   من غير خطأ فيها ، هل يلزمه الإحرام لدخولها ؟  على قولين :   
[ ص: 470 ] أحدهما : يلزمه الإحرام بحج أو عمرة ، ولا يجوز أن يدخلها محلا ، فعلى هذا يصير إطلاق نذره بقصد البيت معقودا على حج أو عمرة .  
والقول الثاني لا يلزمه الإحرام ويجوز أن يدخلها محلا .  
قال  
أبو علي      : فعلى هذا في انعقاد نذره بحج أو عمرة وجهان تخرجا من اختلاف قولي  
الشافعي   فيمن نذر أن يمشي إلى  
المسجد الأقصى ،   أو  
مسجد المدينة   في لزوم نذره قولان :  
أحدهما : يلزمه النذر  
كالمسجد الحرام ،   وهو قصد لا يجب به إحرام ، وكذلك قصد  
المسجد الحرام   لا يجب فيه إحرام ويكون النذر في جميعها مقصورا على مجرد القصد لاشتراكها في معنى الوجوب .  
والقول الثاني لا يلزمه النذر إلى  
المسجد الأقصى ،   ومسجد المدينة ،   وإن لزمه النذر إلى  
المسجد الحرام ،   لوجوب قصد  
المسجد الحرام   شرعا ، فوجب قصده نذرا ، ولم يجب قصد  
المسجد الأقصى ،   ومسجد المدينة   شرعا ، فلم يجب قصده نذرا ، فاقتضى افتراقهما في هذا التعليل المخالف بينهما في الوجوب أن يجب بقصد  
المسجد الحرام   في النذر ما أوجب قصده بالشرع ، وهذا التخريج وإن كان محتملا فإنما يستعمل مع عدم النص ، وقد نص  
الشافعي   على وجوب إحرامه في النذر بحج أو عمرة ؛ لأنه معهود النذر عرفا ، فلم يجز العدول عنه إلى تخريج ما يخالفه ، ويكون في هذا مخيرا بين الإحرام بحج أو عمرة ، وإن كان الحج أفضل من العمرة .