الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : [ الأصول الشرعية ] .

فإذا تقررت هذه الجملة فالأصول الشرعية أربعة : الكتاب والسنة والإجماع والقياس .

أولا : الكتاب .

فالأصل الأول هو كتاب الله : الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قال الله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق [ الجاثية : 29 ] . وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] . وقال : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ الشورى : 15 ] .

ما يشتمل عليه الكتاب :

وكتاب الله يشتمل على ثلاثة وجوه : أمر ونهي وخبر .

وليس فيه استخبار لعلمه بما كان ويكون . وما ورد فيه على صيغة الاستخبار والاستفهام فالمراد به تقرير أو وعيد .

وقد حد ما فيه بأخص من هذه العبارة فقيل : إنه يشتمل على إعلام وإلزام .

فالإعلام : وعد أو وعيد ، وليس يخلو ما فيه من النصوص من أن يراد به وعد أو وعيد .

والإلزام أمر ونهي . فالأمر ما تعبد بفعله .

[ ص: 56 ] والنهي ما تعبد بتركه
.

أقسام الأمر :

والأمر : ينقسم بالقرائن ثلاثة أقسام : واجب واستحباب ومباح .

فإن تجرد عن قرينة كان محمولا عند الشافعي على الوجوب إلا بدليل يصرفه إلى الاستحباب أو الإباحة .

وذهب غيره إلى أنه محمول على الاستحباب حتى يقوم دليل على الوجوب .

وقال آخرون : هو موقوف حتى يقوم دليل على المراد به لاحتماله .

وما قاله الشافعي أولى ، لفرق ما بين ورود الأمر وعدمه .

أقسام النهي :

والنهي ينقسم بالقرائن ثلاثة أقسام : تحريم وكراهة وتنزيه :

فإن تجرد عن قرينة كان محمولا عند الشافعي على التحريم وفساد المنهي عنه إلا أن يصرفه دليل إلى غيره .

والأمر يقتضي فعل المأمور مرة واحدة ، ولا يحمل على التكرار إلا بدليل .

والنهي يقتضي ترك المنهي عنه على الدوام ولا يجعل موقتا إلا بدليل .

والنهي يقتضي الفور ، ولا يحمل على التراخي إلا بدليل .

وفيما يقتضيه مطلق الأمر من الفور أو التراخي وجهان :

أحدهما : أنه يحمل على الفور كالنهي حتى يقوم دليل على التراخي .

والوجه الثاني : أنه يحمل على التراخي حتى يقوم دليل على الفور .

وقد يرد الأمر بلفظ الخبر ، كقوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] . فيحمل على حكم الأمر .

ويجوز أن يتوجه إليه النسخ .

وذهب قوم إلى أن ما ورد بلفظ الخبر لم يجز أن يتوجه إليه نسخ كالخبر .

وهذا فاسد ، لأنه في معنى الأمر فكان على حكمه .

ومطلق الأمر والنهي متوجه إلى جميع الأحرار من الرجال والنساء .

وفي دخول العبيد في مطلق الأمر والنهي ثلاثة أوجه :

أحدها : يدخلون فيه لتوجه التكليف إليهم ولا يخرجون منه إلا بدليل .

والوجه الثاني : لا يتوجه إليهم ويخرجون منه بغير دليل لأنهم أتباع .

[ ص: 57 ] والوجه الثالث : أنه إن تضمن الخطاب وعيدا توجه إليهم كالأحرار ولم يخرجوا منه إلا بدليل وإن تضمن ملكا أو عقدا أو ولاية خرجوا منه ولم يدخلوا فيه إلا بدليل .

وإذا ورد الكتاب باللفظ المذكر توجه إلى الرجال ولم تدخل فيه النساء إلا بدليل ، كما لو ورد بلفظ المؤنث توجه إلى النساء ولم يدخل فيه الرجال إلا بدليل .

وهذا متفق عليه وذلك مختلف فيه .

والمتفق عليه من افتراقهما في اللفظ المؤنث دليل يوجب افتراقهما فيما اختلف فيه من اللفظ المذكر .

وأما ما تضمنته شرائع من قبلنا من الأنبياء من الأوامر والنواهي فما لم يقصه الله تعالى علينا في كتابه لم يلزمنا حكمه لانتفاء العلم بصحته ، وما قصه علينا في كتابه لزمنا منه ما شرعه إبراهيم لقول الله تعالى : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا [ النحل : 123 ] .

وفي لزوم ما شرعه غيره من الأنبياء وجهان :

أحدهما : يلزم ما لم يقم دليل على نسخه لكونه حقا .

والوجه الثاني : لا يلزم إلا أن يقوم دليل على وجوبه وليس في أصله منسوخا .

التالي السابق


الخدمات العلمية