الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
القول [ فيما يقع فيه النسخ ] :

فأما القسم الأول فيما يقع فيه النسخ : فقد ذكرنا أنها الأوامر والنواهي الشرعية وهي على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن تكون مطلقة فيجوز نسخها ، وإن وردت بلفظ الخبر .

وتوهم بعض أصحابنا فمنع من نسخها إذا وردت بلفظ الخبر اعتبارا بالأخبار في الامتناع من دخول النسخ فيها .

فهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : اختصاص الأخبار بالأعلام واختصاص الأوامر بالإلزام .

والثاني : اختصاص الأخبار بالماضي والأوامر بالمستقبل ولما تعلق بما ورد من [ ص: 77 ] الأوامر بلفظ الأخبار أحكام الأوامر دون الأخبار ، ومن هذين الوجهين ، كذلك في حكم النسخ .

والضرب الثاني : أن يرد الأمر مؤكدا بالتأبيد ففي جواز نسخه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : لا يجوز نسخه : لأن صريح التأبيد مانع من احتمال النسخ .

والوجه الثاني : وكأنه أشبه أن نسخه جائز ، لأن المطلق يقتضي التأبيد كالمؤكد ، لأنه لما جاز انقطاع المؤبد بالاستثناء مثل قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا [ النور : 4 ] . جاز انقطاعه ناسخ بالمطلق . والضرب الثالث : أن يكون الأمر مقدرا بمدة فيكون انقضاء المدة موجبا لارتفاع الأمر فيصير نسخا بغير نسخ .

فإن أريد نسخه قبل انقضاء مدته كان في جوازه وجهان : كالمؤبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية