الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول فيما ينعقد عنه الإجماع ] :

فأما الفصل الأول فيما ينعقد عنه الإجماع : فهو ينعقد عن دليل أوجب اتفاقهم عليه لأن ما لا موجب له يتعذر الاتفاق عليه .

والدليل الداعي إليه قد يكون من سبعة أوجه :

أحدها : أن ينعقد عن تنبيه من كتاب الله كإجماعهم على أن ابن الابن في الميراث كالابن .

والثاني : أن ينعقد عن استنباط من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كإجماعهم على توريث كل واحدة من الجدتين السدس .

والثالث : أن ينعقد عن الاستفاضة والانتشار ، كالإجماع على أعداد الركعات وترتيبها في الركوع والسجود .

والرابع : أن ينعقد على العمل به كالإجماع على نصب الزكوات .

والخامس : أن ينعقد عن المناظرة والجدال ، كإجماعهم على قتل مانعي الزكاة .

والسادس : أن ينعقد عن توقيف ، كإجماعهم على أن الجمعة تسقط فرض الظهر .

والسابع : أن ينعقد عن استدلال وقياس ، كإجماعهم على أن الجواميس في الزكاة كالبقر .

فإن تجرد الإجماع عن دليل يدعو إليه إذا وجد الاتفاق عليه ، فقد اختلف في صحته وجواز انعقاده .

فذهب شاذ من أهل العلم إلى جوازه ، استدلالا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما رآه [ ص: 109 ] المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن " وهذا قول من جعل الإلهام دليلا .

والذي عليه جمهور العلماء أنه لا يصح انعقاد الإجماع إلا بدليل لأمرين .

أحدهما : أن إثبات الشرع دليل لا يجوز .

والثاني : أن اتفاق الكافة بغير سبب لا يوجد .

وإذا انعقد الإجماع عن أحد أدلته فقد اختلف أصحابنا في القطع على الله تعالى بصحته على وجهين :

أحدهما : أن الإجماع معصوم يقطع بصحته ليصح قيام الحجة به .

والوجه الثاني : أن الإجماع غير معصوم من السهو والغلط اعتبارا بأهله في نفي العصمة عن آحادهم فكذلك عن جماعتهم ، ولا يكون قيام الحجة به موجبا لعصمته كما تقوم الحجة بخبر الواحد وإن كان غير معصوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية