الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول فيما ينعقد عنه الإجماع ] :

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول فيما ينعقد عنه الإجماع : فهو ينعقد عن دليل أوجب اتفاقهم عليه لأن ما لا موجب له يتعذر الاتفاق عليه .

                                                                                                                                            والدليل الداعي إليه قد يكون من سبعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن ينعقد عن تنبيه من كتاب الله كإجماعهم على أن ابن الابن في الميراث كالابن .

                                                                                                                                            والثاني : أن ينعقد عن استنباط من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كإجماعهم على توريث كل واحدة من الجدتين السدس .

                                                                                                                                            والثالث : أن ينعقد عن الاستفاضة والانتشار ، كالإجماع على أعداد الركعات وترتيبها في الركوع والسجود .

                                                                                                                                            والرابع : أن ينعقد على العمل به كالإجماع على نصب الزكوات .

                                                                                                                                            والخامس : أن ينعقد عن المناظرة والجدال ، كإجماعهم على قتل مانعي الزكاة .

                                                                                                                                            والسادس : أن ينعقد عن توقيف ، كإجماعهم على أن الجمعة تسقط فرض الظهر .

                                                                                                                                            والسابع : أن ينعقد عن استدلال وقياس ، كإجماعهم على أن الجواميس في الزكاة كالبقر .

                                                                                                                                            فإن تجرد الإجماع عن دليل يدعو إليه إذا وجد الاتفاق عليه ، فقد اختلف في صحته وجواز انعقاده .

                                                                                                                                            فذهب شاذ من أهل العلم إلى جوازه ، استدلالا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما رآه [ ص: 109 ] المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن " وهذا قول من جعل الإلهام دليلا .

                                                                                                                                            والذي عليه جمهور العلماء أنه لا يصح انعقاد الإجماع إلا بدليل لأمرين .

                                                                                                                                            أحدهما : أن إثبات الشرع دليل لا يجوز .

                                                                                                                                            والثاني : أن اتفاق الكافة بغير سبب لا يوجد .

                                                                                                                                            وإذا انعقد الإجماع عن أحد أدلته فقد اختلف أصحابنا في القطع على الله تعالى بصحته على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الإجماع معصوم يقطع بصحته ليصح قيام الحجة به .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الإجماع غير معصوم من السهو والغلط اعتبارا بأهله في نفي العصمة عن آحادهم فكذلك عن جماعتهم ، ولا يكون قيام الحجة به موجبا لعصمته كما تقوم الحجة بخبر الواحد وإن كان غير معصوم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية