الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثالث في حكمه : فهو على ضربين :

أحدهما : ما تممه وأمضاه قبل موته وعزله ، فهو على نفاذه وإمضائه ولا يؤثر فيه ما حدث بعده من موته أو عزله .

[ ص: 336 ] والضرب الثاني : ما شرع فيه ثم مات أو عزل قبل تمامه فينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يجوز للثاني أن يبني على فعل الأول حتى يتم ولا يلزمه استئنافه وهو كل ما لا يجوز أن يعاد ولا يزاد .

مثل : حد القذف إذا عزل بعد استيفاء بعضه وبقاء بعضه ، فيجوز للثاني أن يبني على فعل الأول حتى يستكمل بهما .

وكاللعان إذا عزل بعد لعان الزوج أو بعضه وقبل لعان الزوجة أو بعضه فيبني الثاني على حكم الأول ولا يستأنفه حتى يتم اللعان بهما .

وكتحالف المتبايعين إذا اختلفا فيعزل بعد يمين أحدهما وقبل يمين الآخر ، فيبني الثاني على ما تقدم من إحلاف الأول ولا يستأنف التحالف .

وكالأيمان في القسامة إذا عزل وقد حلف المقسم بعض الأيمان وبقي بعضها

فيبني الثاني على إحلاف الأول حتى يستكمل الأيمان ولا يستأنفها إلى نظائر هذا .

وهذا البناء معتبر بتصادق الخصمين ، أو بقيام البينة إن تكاذبا .

والقسم الثاني : ما يستأنفه الثاني ولا يبني على حكم الأول وهو كل ما كان الفعل فيه مقترنا بالحكم .

مثل حكمه بفسخ النكاح بإعسار الزوج ولا يفسخه حتى يعزل ، فليس للثاني فسخه بحكم الأول حتى يستأنف الحكم .

وكما لو حكم ببيع مال المفلس ثم عزل قبل بيعه لم يكن للثاني بيعه بحكم .

الأول حتى يستأنف الحكم به .

وكما لو أذن لولي يتيم في بيع ماله في مصالحه فلم يبعه الولي ، حتى عزل ، منع من البيع حتى يستأنف الثاني الإذن فيه .

وكما لو حكم بشفعة الجوار ولم يسلط الشفيع على الأخذ حتى عزل ، فليس للثاني تسليطه بحكم الأول حتى يستأنف الحكم بالشفعة والتسليط إلى نظائر هذا .

والقسم الثالث : ما اختلفت أحواله في البناء والاستئناف ، وهو سماع البينة ، وله في العزل بعد سماعها ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يسمعها ولا يحكم بقبولها حتى يعزل ، فلا يجوز للثاني أن يحكم بقبولها بسماع الأول حتى يستأنف الشهادة .

فإن قيل أفليس يجوز للقاضي أن يكتب بسماع البينة حتى يحكم المكتوب إليه بقبولها وإنفاذ الحكم بما تضمنها فهلا كان الثاني بعد الأول بمثابته ؟

[ ص: 337 ] قيل لوقوع الفرق بينهما بأن الثاني قادر على سماعها كالأول ولا يقدر الغائب على سماعها كالحاضر .

والحال الثانية : أن يعزل بعد الحكم بقبولها وبعد إلزام الحق الذي تضمنها ، فعلى الثاني إذا أشهد الأول على نفسه بإلزام أن يبني على حكم الأول في تنفيذ الإلزام .

والحال الثالثة : أن يعزل بعد الحكم بقبولها وقبل الحكم بإلزام ما تضمنها فلا تخلو حال من شهد عنده من أن يكونوا أحياء أو موتى .

فإن كانوا أحياء موجودين ، لم يكن للثاني أن يبني على حكم الأول حتى يستأنف سماع الشهادة والحكم ؛ لأن القدرة على شهود الأصل تمنع من الحكم بشهود الفرع .

وإن كانوا موتى أو غير موجودين في الأحياء جاز للثاني أن يبني على حكم الأول ، فيحكم بالإلزام بحكم الأول بالقبول : لأن تعذر القدرة على شهود الأصل يبيح الحكم بشهود الفرع .

وكما يجوز للقاضي المكتوب إليه أن يحكم بالإلزام بحكم الكاتب بالقبول .

التالي السابق


الخدمات العلمية