الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثالث في حكمه : فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما تممه وأمضاه قبل موته وعزله ، فهو على نفاذه وإمضائه ولا يؤثر فيه ما حدث بعده من موته أو عزله .

                                                                                                                                            [ ص: 336 ] والضرب الثاني : ما شرع فيه ثم مات أو عزل قبل تمامه فينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما يجوز للثاني أن يبني على فعل الأول حتى يتم ولا يلزمه استئنافه وهو كل ما لا يجوز أن يعاد ولا يزاد .

                                                                                                                                            مثل : حد القذف إذا عزل بعد استيفاء بعضه وبقاء بعضه ، فيجوز للثاني أن يبني على فعل الأول حتى يستكمل بهما .

                                                                                                                                            وكاللعان إذا عزل بعد لعان الزوج أو بعضه وقبل لعان الزوجة أو بعضه فيبني الثاني على حكم الأول ولا يستأنفه حتى يتم اللعان بهما .

                                                                                                                                            وكتحالف المتبايعين إذا اختلفا فيعزل بعد يمين أحدهما وقبل يمين الآخر ، فيبني الثاني على ما تقدم من إحلاف الأول ولا يستأنف التحالف .

                                                                                                                                            وكالأيمان في القسامة إذا عزل وقد حلف المقسم بعض الأيمان وبقي بعضها

                                                                                                                                            فيبني الثاني على إحلاف الأول حتى يستكمل الأيمان ولا يستأنفها إلى نظائر هذا .

                                                                                                                                            وهذا البناء معتبر بتصادق الخصمين ، أو بقيام البينة إن تكاذبا .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما يستأنفه الثاني ولا يبني على حكم الأول وهو كل ما كان الفعل فيه مقترنا بالحكم .

                                                                                                                                            مثل حكمه بفسخ النكاح بإعسار الزوج ولا يفسخه حتى يعزل ، فليس للثاني فسخه بحكم الأول حتى يستأنف الحكم .

                                                                                                                                            وكما لو حكم ببيع مال المفلس ثم عزل قبل بيعه لم يكن للثاني بيعه بحكم .

                                                                                                                                            الأول حتى يستأنف الحكم به .

                                                                                                                                            وكما لو أذن لولي يتيم في بيع ماله في مصالحه فلم يبعه الولي ، حتى عزل ، منع من البيع حتى يستأنف الثاني الإذن فيه .

                                                                                                                                            وكما لو حكم بشفعة الجوار ولم يسلط الشفيع على الأخذ حتى عزل ، فليس للثاني تسليطه بحكم الأول حتى يستأنف الحكم بالشفعة والتسليط إلى نظائر هذا .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما اختلفت أحواله في البناء والاستئناف ، وهو سماع البينة ، وله في العزل بعد سماعها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يسمعها ولا يحكم بقبولها حتى يعزل ، فلا يجوز للثاني أن يحكم بقبولها بسماع الأول حتى يستأنف الشهادة .

                                                                                                                                            فإن قيل أفليس يجوز للقاضي أن يكتب بسماع البينة حتى يحكم المكتوب إليه بقبولها وإنفاذ الحكم بما تضمنها فهلا كان الثاني بعد الأول بمثابته ؟

                                                                                                                                            [ ص: 337 ] قيل لوقوع الفرق بينهما بأن الثاني قادر على سماعها كالأول ولا يقدر الغائب على سماعها كالحاضر .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يعزل بعد الحكم بقبولها وبعد إلزام الحق الذي تضمنها ، فعلى الثاني إذا أشهد الأول على نفسه بإلزام أن يبني على حكم الأول في تنفيذ الإلزام .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يعزل بعد الحكم بقبولها وقبل الحكم بإلزام ما تضمنها فلا تخلو حال من شهد عنده من أن يكونوا أحياء أو موتى .

                                                                                                                                            فإن كانوا أحياء موجودين ، لم يكن للثاني أن يبني على حكم الأول حتى يستأنف سماع الشهادة والحكم ؛ لأن القدرة على شهود الأصل تمنع من الحكم بشهود الفرع .

                                                                                                                                            وإن كانوا موتى أو غير موجودين في الأحياء جاز للثاني أن يبني على حكم الأول ، فيحكم بالإلزام بحكم الأول بالقبول : لأن تعذر القدرة على شهود الأصل يبيح الحكم بشهود الفرع .

                                                                                                                                            وكما يجوز للقاضي المكتوب إليه أن يحكم بالإلزام بحكم الكاتب بالقبول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية