الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن كانت الدعوى بمال في الذمة ، فهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون من ذوي الأمثال كالدراهم ، والدنانير ، أو الحنطة والشعير مما يصح أن يثبت في الذمة ثمنا ، أو يضمن في العمد بمثله ، فيلزمه في الدعوى أن يذكر الجنس والنوع ، والصفة ، والقدر ، بما يصير به عند الخاصة والعامة معلوما ، وهو بالخيار في أن يذكر سبب الاستحقاق ، أو لا يذكر ، فتكون صحة الدعوى معتبرة بثلاثة شروط :

أحدها : أن يقول لي عليه كذا ويصفه .

والشرط الثاني : أن يقول وهو حال ، لأن المؤجل لا يستحق المطالبة به قبل حلوله ، فلم تصح دعواه ، فإن كان بعضه حالا ، وبعضه مؤجلا صح دعوى جميعه لاستحقاق المطالبة ببعضه ويكون المؤجل تبعا ، فلو كان المؤجل في عقد قصد بدعواه تصحيح العقد ، كالسلم المؤجل ، صحت دعواه ، لأن المقصود به مستحق في الحال .

والشرط الثالث : أن يقول : وقد منعني ، أو أخره عني فإن قال : وقد أنكرت صح ، لأن المنكر مانع .

ثم اختلف أصحابنا بعد ذكر هذه الشروط الثلاثة : هل يعتبر في صحة الدعوى أن [ ص: 294 ] يقول : وأنا أسأل القاضي ، أن يلزمه الخروج إلي من حقي على وجهين :

أحدهما : يعتبر في صحة الدعوى ، لأنه المقصود بالتحاكم إليه ، وإلا كان خبرا .

والوجه الثاني : لا يعتبر ، لأن شاهد الحال يدل عليه ، فاعتبر .

والضرب الثاني : أن يكون ما في الذمة غير ذي مثل ، فهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون الشرع مانعا من ثبوته في الذمة ، كاللؤلؤ ، والجوهر ، فلا تصح دعوى عينه ، لأنها لا يصح ثبوتها في الذمة إلا أن يقصد بالدعوى ثبوت عوضها ، لأنها مغصوبة ، فتصح دعواها بذكر قيمتها ، أو تكون عن سلم فاسد ، فتكون الدعوى برد ثمنها ، ويكون ذكرها إخبارا عن السبب الموجب لعوضها .

والضرب الثاني : أن يصح في الشرع ثبوته في الذمة ، وذلك من وجهين :

أحدهما : في السلم أن يكون معقودا على ثياب ، فيلزمه في صحة دعواها شرطان :

أحدهما : أن يصفها بأوصافها المستحقة في عقد السلم .

والشرط الثاني : أن يذكر أنها عن عقد سلم ، يذكر فيه الشروط المعتبرة في صحة السلم .

ثم يذكر بعدها ما يوجبه مقصود الدعوى فإن لم يذكر أنه عن سلم ، لم تصح دعوى أعيانها ، لأنها قد تكون مغصوبة توجب غرم قيمتها ، فيلزمه مع ذكر الصفة أن يذكر القيمة .

والوجه الثاني : الإبل المستحقة في الدية والغرة المستحقة في الجنين ، فلا يلزمه صفتها في دعواه ، لأن أوصافها مستحقة بالشرع ، وصحة الدعوى فيها معتبرة بثلاثة شروط :

أحدها : أن يذكر أنها عن جناية يصفها بعمد ، أو خطأ ، لاختلاف صفاتها بالعمد ، والخطأ ، وهي مستحقة على الجاني في العمد ، وفي الخطأ مستحقة على العاقلة .

والثاني : أن يذكر أنها على حر ، لأن الإبل لا تستحق في الجناية على العبد ، وأن المجهضة لجنينها حرة ، لأن الغرة لا تستحق في جنين الأمة .

والثالث : أن يذكر ما وصفنا فيه الجناية من نفس ، أو طرف ، أو جراح تقدرت ديته بالشرع ، كالموضحة ، والجائفة ، فتكون المطالبة بالدعوى عفوا عن القصاص ، فإن كانت الجناية فيما لا تتقدر ديته بالشرع ، كانت دعواه مقصورة على وصف [ ص: 295 ] الجناية ولم تصح دعواه بقدر أرشها لأنها مقدرة بحكم الحاكم ، وإن كانت الجناية على عبد استحق فيها القيمة فيذكر قدر قيمته ليعلم بها دية نفسه وأطرافه .

وإن كانت في جنين أمة ، ذكر في الدعوى قدر قيمتها ، لأن في جنين الأمة عشر قيمتها ، ثم تستوفى شروط المقصود بالدعوى فهذا حكم دعوى الاستحقاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية