صفحة جزء
فرع :

المصلي بالاجتهاد إذا ظهر له الخطأ في الاجتهاد له أحوال : أحدها : أن يظهر قبل الشروع في الصلاة ، فإن تيقن الخطأ في اجتهاده ، أعرض عنه واعتمد الجهة التي يعلمها أو يظنها الآن .

وإن لم يتيقن بل ظن أن الصواب جهة أخرى ؛ فإن كان دليل الاجتهاد الثاني عنده أوضح من الأول الآن ، اعتمد الثاني ، وإن كان الأول أوضح اعتمده ، وإن تساويا فله الخيار فيهما على الأصح ، وقيل : يصلي إلى الجهتين مرتين .

الحال الثاني : أن يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة . فإن تيقنه ، وجبت الإعادة على الأظهر ، سواء تيقن الصواب أيضا ، أم لا .

وقيل : القولان إذا تيقن الخطأ ، وتيقن الصواب . أما إذا لم يتيقن الصواب فلا إعادة قطعا .

والمذهب : الأول ، ولو تيقن الخطأ الذي قلده الأعمى ، فهو كتيقن خطأ المجتهد ، وأما إذا لم يتيقن الخطأ بل ظنه فلا إعادة عليه .

فلو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات باجتهادات فلا إعادة على الصحيح .

وعلى وجه شاذ : يجب إعادة الأربع .

وقيل : يجب إعادة غير الأخيرة ، ويجري هذا الخلاف ، سواء أوجبنا تجديد الاجتهاد ، أم لم نوجبه ففعله .

الحال الثالث : أن يظهر الخطأ في أثناء الصلاة ، وهو ضربان :

أحدهما : يظهر الصواب مقترنا بظهور الخطأ . فإن كان الخطأ متيقنا ، [ ص: 220 ] بنيناه على القولين في تيقن الخطأ بعد الفراغ . فإن قلنا بوجوب الإعادة ، بطلت صلاته ، وإلا فوجهان : وقيل : قولان .

أصحهما : ينحرف إلى جهة الصواب ، ويتم صلاته ، والثاني : تبطل ، وإن لم يكن الخطأ متيقنا ، بل مظنونا ، فعلى هذين الوجهين ، أو القولين ، الأصح : ينحرف ، ويبني ، وعلى هذا : الأصح لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات باجتهادات فلا إعادة كالصلوات ، وخص صاحب ( التهذيب ) الوجهين بما إذا كان الدليل الثاني أوضح من الأول . قال : فإن استويا تمم صلاته إلى الجهة الأولى ولا إعادة .

الضرب الثاني : أن لا يظهر الصواب مع الخطأ ، فإن عجز عن الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته . إن قدر عليه على القرب فهل ينحرف ويبني أم يستأنف ؟ فيه خلاف مرتب على الضرب الأول وأولى بالاستئناف .

قلت : الصواب هنا وجوب الاستئناف . والله أعلم .

مثاله : عرف أن قبلته يسار المشرق فذهب الغيم وظهر كوكب قريب من الأفق هو مستقبله ، فعلم الخطأ يقينا ولم يعلم الصواب ؛ إذ يحتمل كون الكوكب في المشرق ويحتمل المغرب .

لكن يعرف الصواب على قرب فإنه يرتفع فيعلم أنه مشرق ، أو ينحط فيعلم أنه مغرب ويعرف به القبلة ، وقد يعجز عن ذلك بأن يطبق الغيم عقب الكوكب .

فرع .

[ في المطلوب بالاجتهاد ]

قولان : أحدهما : جهة الكعبة ، وأظهرهما : عينها . اتفق العراقيون والقفال على تصحيحه ولو ظهر الخطأ في التيامن أو التياسر ، فإن كان [ ص: 221 ] ظهوره بالاجتهاد ، وظهر بعد الفراغ ، لم يؤثر قطعا ، وإن كان في أثنائها انحرف وأتمها قطعا ، وإن كان ظهور باليقين ، وقلنا : الفرض جهة الكعبة ، فكذلك .

وإن قلنا : عينها ، ففي وجوب الإعادة بعد الفراغ ، والاستئناف في الأثناء القولان . قال صاحب ( التهذيب ) وغيره : ولا يستيقن الخطأ في الانحراف مع البعد عن مكة ، وإنما يظن ، ومع القرب يمكن التيقن والظن ، وهذا كله كالتوسط بين اختلاف أطلقه أصحابنا العراقيون : أنه هل يتيقن الخطأ في الانحراف من غير معاينة الكعبة ، من غير فرق بين القرب من مكة والبعد ؟ فقالوا : قال الشافعي رحمه الله : لا يتصور إلا بالمعاينة ، وقال بعض الأصحاب : يتصور .

فرع :

إذا صلى باجتهاد ثم أراد فريضة أخرى حاضرة أو فائتة ، وجب إعادة الاجتهاد على الأصح . ثم قيل الوجهان ، إذا لم يفارق موضعه . فإن فارقه وجب إعادته قطعا كالتيمم .

ولكن الفرق ظاهر ، ولا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد للنافلة قطعا ولو رأى اجتهاد رجلين إلى جهتين ، عمل كل باجتهاده ، ولا يقتدي بصاحبه ، ولو اجتهد جماعة ، واتفق اجتهادهم فأمهم أحدهم ، ثم تغير اجتهاد مأموم لزمه المفارقة ، وينحرف إلى الجهة الثانية ، وهل له البناء ، أم عليه الاستئناف ؟ فيه الخلاف المتقدم في تغير الاجتهاد في أثناء الصلاة ، وهل هو مفارق بعذر ، أو بغير عذر لتركه كمال البحث ؟ وجهان :

قلت : الأصح الأول . والله أعلم .

ولو تغير اجتهاد الإمام انحرف إلى الجهة الثانية بانيا أو مستأنفا ، على الخلاف ، ويفارقه المأمومون ، ولو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن ، والتياسر ، [ ص: 222 ] والجهة الواحدة ، فإن أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك ، فهو كالاختلاف في الجهة ، فلا يقتدي أحدهما بالآخر ، وإلا فلا بأس ، ولو شرع المقلد في الصلاة بالتقليد فقال له عدل أخطأ بك فلان فله حالان :

أحدهما : أن يكون قوله عن اجتهاد . فإن كان قول الأول أرجح عنده لزيادة عدالته أو هدايته للأدلة أو مثله ، أو لم يعرف هل هو مثله أم لا ؟ لم يجب العمل بقول الثاني ، وهل تجوز العمل به ؟ يبني على أن المقلد إذا وجد مجتهدين ، هل يجب الأخذ بأعلمهما ، أم يتخير ؟ فإن قلنا : بالأول لم يجز وإلا ففيه خلاف .

قلت : الصحيح : أنه لا يجوز . والله أعلم .

وإن كان الثاني أرجح ، فهو كتغير اجتهاد البصير ، فينحرف ، ويجئ الخلاف في أنه يبني ، أم يستأنف ؟ ولو قال له المجتهد الثاني بعد الفراغ من الصلاة ، لم يلزم الإعادة قطعا وإن كان الثاني أرجح ، كما لو تغير اجتهاده بعد الفراغ .

الحال الثاني : أن يخبر عن علم ومعاينة ، فيجب الرجوع إلى قوله وإن كان قول الأول أقوى عنده ، ومن هذا القبيل ، أن يقول للأعمى : أنت مصل إلى الشمس ، والأعمى يعلم أن قبلته إلى غير الشمس ، فيلزم الاستئناف على الأظهر .

ولو قال الثاني : أنت على الخطأ قطعا ، وجب قبوله قطعا ، وسواء أخبره هذا القاطع بالخطأ عن الصواب ، متيقنا أو مجتهدا ، يجب قبوله ؛ لأن تقليد الأول بطل بقطع هذا .

وكل المذكور في الحالين ، مفروض فيما إذا أخبر الثاني بالخطأ والصواب جميعا . فإن أخبره عن الخطأ وحده ، على صورة يجب قبولها ، ولم يخبر هو ولا غيره بالصواب ، فهو كاختلاف المجتهدين عليه في أثناء الصلاة ، وقد سبق في الفرع .

التالي السابق


الخدمات العلمية