فصل 
وأما المسجد ، فالجلوس فيه يكون لأغراض . 
منها : أن 
يجلس ليقرأ عليه القرآن أو الحديث أو الفقه ونحوها ، أو ليستفتى   . قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14741أبو عاصم العبادي   nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي     : حكمه كمقاعد الأسواق ، لأن له غرضا في ملازمته ذلك الموضع ليألفه الناس . وقال  
الماوردي     : متى قام بطل حقه وكان السابق أحق به ، والأول أشبه بمأخذ الباب .  
[ ص: 297 ] قلت : هذا المنقول عن  
الماوردي  ، حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء . وعن  
مالك     - رضي الله عنه - : أنه أحق ، فمقتضى كلامه : أن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  وأصحابه ، من الجمهور - رضي الله عنهم - . والله أعلم . 
ومنها : أن 
يجلس للصلاة ، فلا اختصاص له في صلاة أخرى . وأما الصلاة الحاضرة ، فهو أحق . فإن فارق بغير عذر ، بطل حقه فيها أيضا . وإن كان بعذر ، فإن فارق لقضاء حاجة ، أو تجديد وضوء ، أو رعاف ، أو إجابة داع ونحوها ، لم يبطل اختصاصه على الصحيح ، للحديث الصحيح ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350740إذا قام أحدكم من مجلسه - في المسجد - فهو أحق به إذا عاد إليه ، ولا فرق على الوجهين بين أن يترك إزاره ، أم لا ، ولا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة ، أو قبله ، وإن اتسع الوقت . ومنها : 
الجلوس للبيع والشراء والحرفة ، وهو ممنوع منه . 
قلت : ومنها : 
الجلوس للاعتكاف ، وينبغي أن يقال : له الاختصاص بموضعه ما لم يخرج من المسجد إن كان اعتكافا مطلقا . وإن 
نوى اعتكاف أيام ، فخرج لحاجة جائزة ، ففي بقاء اختصاصه إذا رجع احتمال ، والظاهر بقاؤه ، ويحتمل أن يكون على الخلاف فيما إذا خرج المصلي لعذر . ومنها : 
الجالس لاستماع الحديث والوعظ ، والظاهر أنه كالصلاة فلا يختص فيما سوى ذلك المجلس ولا فيه إن فارقه بلا عذر ، ويختص إن فارق بعذر على المختار . ويحتمل أن يقال : إن كان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس ، وينتفع الحاضرون بقربه منه لعلمه ونحو ذلك ، دام اختصاصه في كل مجلس بكل حال .  
[ ص: 298 ] وأما 
مجلس الفقيه في موضع معين حال تدريس المدرس في المدرسة أو المسجد ، فالظاهر فيه دوام الاختصاص ، لاطراد العرف ، وفيه احتمال . والله أعلم . 
فرع 
يمنع الناس من 
استطراق حلق القراء والفقهاء في المسجد توقيرا لها . 
فرع 
قال الإمام : لا شك في 
انقطاع تصرف الإمام وإقطاعه عن بقاع المسجد ، فإن المساجد لله تعالى ، ويخدشه شيئان . أحدهما : ذكر  
الماوردي  ، أن الترتب في المسجد للتدريس والفتوى كالترتب للإمامة ، فلا يعتبر إذن الإمام في مساجد المحال ، ويعتبر في الجوامع وكبار المساجد إذا كانت عادة البلد فيه الاستئذان ، فجعل لإذن الإمام أثر . الثاني : عد الشيخ  
أبو حامد  وطائفة رحاب المسجد مع مقاعد الأسواق فيما يقطع للارتفاق بالجلوس فيه للبيع والشراء ، وهذا كما يقدح في نفي الإقطاع ، يخالف المعروف في المذهب في المنع من الجلوس في المسجد للبيع والشراء ، إلا أن يراد بالرحاب : الأفنية الخارجة عن حد المسجد . 
قلت : قال  
الماوردي  في " الأحكام " : إن 
حريم الجوامع والمساجد ، إن كان الارتفاق به مضرا بأهل المساجد ، منع منه ، ولم يجز للسلطان الإذن فيه ، وإلا ، جاز . وهل يشترط فيه إذن السلطان ؟ وجهان . والله أعلم .  
[ ص: 299 ]