صفحة جزء
[ ص: 268 ] فصل محاباة المشتري تعتبر من الثلث كمحاباة البائع .

فإذا اشترى مريض عبدا قيمته عشرة بعشرين لا يملك غيره ، فثلث ماله ستة وثلثان ، والمحاباة عشرة ، والستة والثلثان ثلثا العشرة ، فيصح الشراء في ثلثي العبد وهو ستة وثلثان بثلثي الثمن وهو ثلاثة عشر وثلث ، يبقى مع الورثة ثلث الثمن وهو ستة وثلثان ، وثلثا العبد وهو ستة وثلثان ، وذلك ضعف المحاباة .

هذا إن أجاز البائع البيع ، وله أن يفسخ ويسترد العبد لتبعض الصفقة عليه .

ولو اشترى عبدا قيمته عشرة بعشرين ، فزادت قيمة العبد في يده ، أو في يد البائع ، فصارت خمسة عشر ، فقد زادت خمسة في تركته .

فإن قلنا : يصح الشراء فبعض ما حابى فيه بجميع ما يقابله ، فتضم الخمسة الزائدة إلى الثمن ، فيصير جميع التركة خمسة وعشرين ، وثلثها ثمانية وثلث ، فيقال للبائع : ثلث ماله ثمانية وثلث ، وقد حاباك بعشرة ، فإما أن تفسخ البيع وتسترد العبد ، وإما أن ترد ما زاد على الثلث وهو درهم وثلثان .

فإن رد ، [ فمع ] الورثة العبد ، وقيمته يوم الموت خمسة عشر ، ومعهم درهم وثلثان ، والجملة ضعف المحاباة .

وإن قلنا : يصح الشراء في بعضه ببعض ما يقابله ، قلنا : يصح الشراء في شيء من العبد بشيئين من الثمن ، فتكون المحاباة بشيء ، يبقى عشرون درهما إلا شيئين ، تضم إليها المشترى من العبد وكان شيئا ، فصار شيئان ونصف شيء ، تبلغ عشرين إلا نصف شيء ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شيئان ، فتجبر وتقابل ، فالعشرون تعدل شيئين ونصف شيء ، فالشيء ثمانية وهي خمسا العشرين وأربعة أخماس [ العبد ] ، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهي ثمانية بأربعة أخماس وهي ستة عشر ، فتكون محاباة المشتري بثمانية ، يبقى للورثة خمس الثمن وهي أربعة ، وأربعة أخماس العبد وهي اثنا عشر يوم الموت ، فالجملة ستة عشر ضعف المحاباة .

ولو اشترى كما ذكرنا ، [ ص: 269 ] ثم نقص العبد في يد المريض فعادت قيمته إلى خمسة ، فإن قلنا بالأول من القولين ، فقد كانت تركته عشرين ، وصارت بالآخرة خمسة عشر ، وثلثها خمسة ، فيقال للبائع : إما أن ترد على الورثة خمسة ليكون معهم العبد وهو خمسة والدراهم الخمسة فيكون لهم ضعف الخمسة ، وإما أن تفسخ البيع وترد الثمن بتمامه وتسترد العبد ناقصا ولا ضمان .

وإن قلنا بالتقسيط ، فقال الأستاذ وأبو منصور : يضمن المشتري قسط ما بطل فيه البيع من النقصان ، وينقص ذلك من التركة كدين يلزم قضاؤه .

قال الإمام : هذا رجوع إلى ما قدمناه أن المأخوذ على أنه مبيع يكون مضمونا عليه ، ومناقض لما ذكر الأستاذ أن ما لا يصح فيه البيع أمانة في يد المشتري ، ثم حسابه أن يقال : صح الشراء في شيء من العبد بشيئين من الثمن ، وبطل في عبد ناقص بشيء قيمته بالتراجع خمسة دراهم إلا نصف شيء ، فينقص القدر الذي نقص من التركة ، يبقى خمسة عشر درهما إلا شيئا ونصف [ شيء ] ، تضم إليه الشيء المشترى من العبد وقد رجع إلى نصف ، فيكون الحاصل خمسة عشر درهما إلا شيئا تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان ، فتجبر وتقابل ، فخمس عشر تعدل ثلاثة أشياء ، فالشيء ثلث الخمسة عشر وهو نصف العبد ، فيصح الشراء فنصف العبد بنصف الثمن ، فتكون المحاباة بخمسة ، يبقى للورثة نصف الثمن وهو عشرة ، ونصف العبد وهو اثنان ونصف ، تسقط من المبلغ قسط ما بطل العقد فيه من النقصان وهو اثنان ونصف ، يبقى في أيديهم عشرة ضعف المحاباة .

فرع : اشترى مريض عبدا يساوي عشرة بعشرين ، وله ثلاثون درهما ، وقبض العبد وأعتقه ، فالمحاباة بعشرة وهي ثلث ماله ، قال ابن الحداد : إن كان ذلك قبل توفية [ ص: 270 ] الثمن على البائع ، نفذ العتق وبطلت المحاباة ، والبائع يأخذ قدر قيمة العبد بلا زيادة ; لأن المحاباة في الشراء كالهبة ، فإذا لم تكن مقبوضة حتى جاء ما هو أقوى منها وهو العتق ، أبطلها .

وإن كان بعد توفية الثمن ، بطل العتق ; لأن المحاباة المقبوضة استغرقت الثلث .

قال الشيخ أبو علي : قد أكثر ابن الحداد التبجح بهذه المسألة ، وهو غالط فيها عند الأصحاب كلهم ، وقالوا : لا فرق في المحاباة بين أن تكون مقبوضة أو لا تكون ؛ لأنها متعلقها بالمعاوضة ، والمعاوضات تلزم بنفس العقد ، ولهذا يتمكن الواهب من إبطال الهبة قبل القبض ، ولا يتمكن من إبطال المحاباة ، والحكم في الحالتين تصحيح المحاباة المتقدمة وإبطال العتق المتأخر .

قال : وأما قوله : يأخذ البائع قيمة العبد بلا زيادة ، فهذا لا يجوز أن يلزم ويكلف به ; لأنه لم يزل ملكه إلا بعشرين ، لكن يخير بين ما ذكره وبين أن يفسخ البيع ويبطل العتق .

فرع : باع مريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر لأخيه بقفيز قيمته خمسة ، فمات أخوه قبله ، وخلف بنتا وأخاه البائع ، ثم مات البائع ولا مال لهما سوى القفيزين ، صح البيع في شيء من القفيز الجيد ، ويرجع بالعوض ثلث شيء ، يبقى معه قفيز إلا ثلثي شيء ، فالمحاباة بثلثي شيء ، ويحصل مع المشتري [ شيء ] من القفيز الجيد ، والباقي من قفيزه وهو قيمة القفيز الجيد ثلث قفيز إلا ثلث شيء ، فهما معا ثلث قفيز وثلثا شيء ، يرجع نصفه بالإرث إلى البائع وهو سدس قفيز وثلث شيء ، فتزيده على ما كان للبائع ، فالمبلغ قفيز وسدس قفيز إلا ثلث شيء ، وهذا يعدل ضعف المحاباة ، وهو شيء وثلث شيء ، فتجبر وتقابل ، فقفيز وسدس قفيز تعدل شيئا وثلثا شيء ، فتبسطهما أسداسا ، وتقلب الاسم ، فالقفيز [ ص: 271 ] عشرة ، والشيء سبعة ، فيصح البيع في سبعة أعشار الجيد ، وهي عشرة ونصف ، بسبعة أعشار الرديء ، [ وهو ثلاثة ونصف ، فتكون المحاباة بسبعة ] ، يبقى مع البائع من قفيزه أربعة ونصف ، وقد أخذ بالعوض ثلاثة دراهم ونصفا ، فالمجموع ثمانية ، وللمشتري من قفيزه درهم ونصف ، ومن القفيز الجيد عشرة ونصف ، تكون اثني عشر درهما ، يرجع نصفه إلى البائع وهو ستة ، يبلغ ما عنده أربعة عشر وهو ضعف المحاباة .

ولو كان القفيز الرديء نصف قيمة الجيد ، والجيد يساوي عشرين ، صح البيع في الجميع ; لأنه تكون المحاباة بعشرة ، فيبقى عنده عشرة ، ويرجع إليه بالإرث عشرة .

فرع : باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة ، فاكتسب العبد عشرين في يد البائع أو في يد المشتري ، ثم مات المريض ، فإن ترك عشرة سوى ثمن العبد ، نفذ البيع في جميع العبد ، وكان الكسب للمشتري ، وإن لم يملك شيئا آخر ، بطل البيع في بعض العبد ; لأن المحاباة لم تخرج من الثلث .

ثم حكى الإمام عن الأستاذ ، أن جميع الكسب للمشتري ; لأنه حصل في ملكه ثم عرض الفسخ والرد كاطلاع المشتري على عيب قديم ، فإنه يرد ويبقى له الكسب ، قال : وهذا زلل عظيم ، بل الوجه القطع بأن الكسب يتبعض بتبعض العبد كما في العتق ، وليس هذا فسخا وردا للبيع في بعض العبد ، بل يتبين صحة البيع وحصول الملك للمشتري في بعض العبد دون بعضه ، وهذا حق ، لكن الأستاذ لم يقل هذا عن نفسه حتى يشنع عليه ، وإنما نقله عن ابن سريج وأكثر الأصحاب ، ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته .

وعلى هذا ، فحكمه التبعيض كالزيادة .

ولو اشترى المريض عبدا قيمته عشرة بعشرين ( فاكتسب ) ، فالكسب كالزيادة في القيمة ، لكن التركة تزداد به ، وحكم الزيادة ما سبق .

[ ص: 272 ] فرع اشترى مريض عبدا بعشرة ، وترك سواه بعشرين ، وأوصى لزيد بعشرة ، ثم وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة ، فاختار إمساكه ، جاز ، وكأنه حاباه بخمسة ، والمحاباة مقدمة على الوصية ، وللموصى له باقي الثلث وهو خمسة .

وإن وجد الورثة العبد معيبا وأمسكوه ، فلزيد العشرة ، وما نقص بالعيب كأنهم أتلفوه ، لأنهم لو شاءوا لفسخوا أو استردوا الثمن .

ولو اشترى عبدا بثلاثين فأعتقه ، وخلف ستين درهما ، ثم وجد الورثة به عيبا ينقصه خمسة دراهم ، رجعوا على البائع بالأرش .

ولو وهبه وأقبضه ، لم يرجعوا به ; لأنه ربما عاد إليهم فيردونه .

هذا جواب الأستاذ ، وفيه وجه مشروح في موضعه .

ولو لم يخلف غير العبد وكان قد أعتقه ، عتق منه خمساه وهو عشرة دراهم ، ويرجع الورثة بالأرش وهو خمسة على البائع ، ولهم مع ذلك ثلاثة أخماس العبد وهي خمسة عشر ، فيكون عشرين ضعف المحاباة .

قال الأستاذ : وللبائع أن يأخذ ثلاثة أخماس العبد ، ويرد ثلاثة أخماس الثمن ، ويغرم أرش خمسيه وهو درهمان .

ولو كان قد وهبه وأقبضه بدل الإعتاق ، فالخمسة الناقصة تحسب من الثلث ; لأن المريض هو الذي فوت الرجوع بالأرش بما أنشأ من الهبة ، وللموهوب له خمسه وهو خمسة ، وللورثة أربعة أخماسه وهي عشرون .

فرع : ترك عبدا قيمته ثلاثون ، وأوصى ببيعه لزيد بعشرة ، فثلث ماله عشرة ، وأوصى بالمحاباة بعشرين ، فإن لم تجز الورثة ، بيع منه على قول ثلثا العبد بجميع العشرة لتحصل له المحاباة بقدر الثلث ، وللورثة ضعفه .

وعلى قول التقسيط ، يباع منه نصف العبد بنصف الثمن .

ولو أوصى مع ذلك بثلث ماله لعمرو ، فالثلث بينهما على ثلاثة ، لزيد سهمان ، ولعمرو سهم .

[ ص: 273 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية