صفحة جزء
فصل ومنها الهبة ، فإذا وهب مريض عبدا ، ثم رجع العبد أو بعضه إلى الواهب بهبة أو غيرها ، دارت المسألة ; لأن التركة تزيد بقدر الراجع .

وإذا زادت ، زاد الثلث .

وإذا زاد الثلث ، زاد الراجع فزادت التركة ، فإذا وهب مريض لزيد عبدا ، وأقبضه ، ثم وهبه زيد للأول وهو مريض أيضا ، وماتا ولا مال لهما سوى العبد ، فبالجبر نقول : صحت هبة الأول في شيء من العبد ، فبقي عبد إلا شيئا ، وصحت هبة زيد في ثلث ذلك الشيء ، فيرجع إلى الأول ثلث شيء ، فيكون معه عبد إلا ثلثي شيء ، وذلك يعدل ضعف ما صحت هبته فيه وهو شيئان ، فبعد الجبر : عبد يعدل شيئين وثلثي شيء ، تبسطها أثلاثا ، وتقلب الاسم ، فالعبد ثمانية ، والشيء ثلاثة ، فتصح هبة الأول في ثلاثة أثمان العبد ، وتبطل في الباقي ، وتصح هبة زيد في ثمن من الأثمان الثلاثة ، فيبقى مع ورثة زيد ثمنان وهما ضعف هبته ، ومع ورثة الأول ستة أثمان العبد وذلك ضعف هبته .

وبطريق السهام ، تطلب عددا له ثلث ، ولثلثه ثلث بسبب الهبتين ، وأقله تسعة ، فتصح هبة الأول في ثلاثة ، ويرجع من الثلاثة سهم وهو سهم الدور ، تسقطه من التسعة ، يبقى ثمانية ، تصح الهبة في ثلاثة منها كما سبق .

ولو وهب زيد لمريض ثالث وأقبضه ، ثم وهب الثالث الأول ، صحت هبة الأول في شيء من العبد ، وهبة زيد [ ص: 276 ] في ثلث ذلك الشيء ، وهبة الثالث في ثلث ثلثه وهو تسع ، فيرجع إليه تسع ذلك الشيء ، يبقى معه عبد إلا ثمانية أتساع شيء تعدل شيئين ، فبعد الجبر : عبد يعدل شيئين وثمانية أتساع شيء ، فتبسطها أتساعا ، وتقلب الاسم ، فالعبد ستة وعشرون ، والشيء تسعة ، فتصح هبة الأول في تسعة أجزاء من ستة وعشرين جزءا من العبد ، وهبة زيد في ثلاثة منها ، يبقى مع ورثته ستة هي ضعف هبته ، وهبة الثالث في واحد ، يبقى مع ورثته سهمان ، وينضم جزء إلى ما بقي مع ورثة الأول ، تكون ثمانية عشر هي ضعف ما صحت فيه هبته .

وبالسهام تطلب عددا له ثلث ، ولثلثه ثلث ، ولثلث ثلثه ثلث ، وأقله سبعة وعشرون ، يسقط منه سهم الدور ، يبقى ستة وعشرون على ما ذكرنا .

مسألة : كان للواهب تركة سوى العبد ، بأن وهب لزيد عبدا قيمته مائة ، وأقبضه ، ثم وهبه زيد - وهو مريض أيضا - للأول ، ثم ماتا وللأول خمسون سوى العبد ، فبطريق الدينار والدرهم تقول : العبد دينار ودرهم ، تصح هبة الأول في درهم ، ويرجع إليه بهبة زيد ثلث درهم ، يبقى معه من العبد دينار ، ومما سواه نصف دينار ونصف درهم ، فإنه مثل نصف العبد ، ومما رجع إليه ثلث درهم ، فالمبلغ دينار ونصف دينار وخمسة أسداس درهم ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو درهمان ، تسقط خمسة أسداس بخمسة أسداس درهم ، يبقى دينار ونصف دينار في معادلة درهم وسدس درهم ، تبسطها أسداسا ، وتقلب الاسم ، فالدرهم تسعة ، والدينار سبعة ، وكان العدد درهما ودينارا ، فهو إذا ستة عشر ، تصح الهبة في تسعة منها ، ويرجع إليه بهبة زيد ثلاثة ومعه تركة مثل نصف العبد ، فالمبلغ ثمانية عشر ضعف التسعة .

ولو كان على الواهب الأول دين ولا تركة سوى العبد ، فإن كان الدين مثل العبد أو أكثر ، فالهبة باطلة .

وإن كان أقل ، بأن وهب عبدا قيمته مائة وعليه عشرون دينا ، صحت هبة الأول في شيء ، ويرجع إليه ثلث شيء ، فيبقى عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر : أربعة أخماس عبد تعدل شيئين وثلثي شيء ، فتبسطهما بأجزاء [ ص: 277 ] الثلث والخمس بأن تضربهما في خمسة عشر ، وتقلب الاسم ، فالعبد أربعون ، والشيء اثنا عشر ، تصح هبة الأول في اثني عشر من أربعين من العبد ، ويعود إليه أربعة ، يبقى اثنان وثلاثون ، يقضى منها الدين وهو ثمانية أجزاء مثل خمس العبد ، يبقى أربعة وعشرون ضعف الهبة .

ولو كان للمريض الثاني تركة سوى العبد ، بأن كان العبد مائة ، وللثاني خمسون سواه ، ووهب جميع ماله ، فتصح هبة الأول في شيء من العبد ويكون مع الثاني نصف عبد وشيء ، يرجع ثلثه إلى الأول وهو سدس عبد وثلث شيء ، فيجتمع عنده عبد وسدس عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر : عبد وسدس عبد يعدل شيئين وثلثي شيء ، فتبسطهما أسداسا ، وتقلب الاسم ، فالعبد ستة عشر ، والشيء سبعة ، ومع الثاني نصف عبد وهو ثمانية مع الشيء وهو سبعة ، فالمبلغ خمسة عشر ، ويرجع إلى الأول من هبته خمسة ، فيصير معه أربعة عشر ضعف الهبة .

مسألة : وهب مريض عبدا قيمته مائة ، فمات في يد المتهب ، ثم مات الواهب ولا مال له ، فعن ابن سريج وجهان .

أحدهما : تصح الهبة في جميع العبد ; لأنه لم يبق شيء يورث ، فتكون هبته كهبة الصحيح .

وأصحهما : أنها باطلة ؛ لأنها في معنى الوصية .

فإن أبطلناها ، ففي وجوب الضمان على المتهب وجهان .

أحدهما : نعم ; لأنه قبضه لنفسه فأشبه المستعير .

وأصحهما : لا ، بخلاف المستعير ، فإنه قبض ليرد .

فإن أوجبنا الضمان ، قال الأستاذ : يضمن ثلثي قيمته لورثة الواهب ، وقياس بطلان الهبة أن يضمن جميع القيمة .

ولو اكتسب العبد في يد المتهب مائة ، ثم مات ، فإن صححنا الهبة في الجميع ، فالكسب للمتهب .

وإن أبطلناها في الجميع إذا لم يكن كسب ، فهنا تصح الهبة في شيء من العبد ، ويكون للمتهب شيء من الكسب غير محسوب عليه من الوصية ، وللورثة باقي الكسب وهو مائة إلا شيئا تعدل شيئين ، فبعد الجبر والمقابلة : مائة تعدل ثلاثة أشياء ، فالشيء ثلث المائة ، فتصح [ ص: 278 ] الهبة في ثلث العبد ، وتبطل في ثلثه ، ولورثة الواهب ثلثا كسبه ، وذلك ضعف ما صحت فيه الهبة ، ولم يحسب ثلثا العبد على ورثة الواهب ; لأنه تلف قبل موت الواهب ، وحسبنا على المتهب ما تلف من وصيته ; لأنه تلف تحت يده .

مسألة : وهب لأخيه مالا لا مال له سواه ، فمات الأخ قبله وخلف بنتا وأخاه الواهب ، ثم مات الواهب ، فتصح الهبة في شيء من العبد ، ويرجع بالميراث نصفه ، فالباقي عبد إلا نصف شيء ، وذلك يعدل شيئين ، فتجبر وتقابل ، فعبد يعدل شيئين ونصف شيء ، فالشيء خمسا العبد ، فتصح الهبة في خمسيه ، وتبطل في ثلاثة أخماسه ، ويرجع بالميراث أحد الخمسين ، فيحصل للورثة أربعة أخماسه وهي ضعف ما صحت فيه الهبة .

مسألة : أخ وأخت مريضان ، وهب كل للآخر عبدا لا يملك سواه وهما متساويا القيمة ، ثم مات الأخ وخلف بنتين والأخت الواهبة ، أو ماتت الأخت وخلفت زوجا والأخ الواهب ، فإن ماتت الأخت أولا ، صارت هبتها للأخ وصية للوارث .

وأما هبة الأخ ، فتصح في شيء ، ويرجع إليه بالإرث نصف شيء مع نصف العبد الذي كان لها ، فيجتمع لورثته عبد ونصف عبد إلا نصف شيء ، وذلك يعدل شيئين ، فبعد الجبر : عبد ونصف عبد تعدل شيئين ونصف شيء ، فتبسطها أنصافا ، وتقلب الاسم ، فالعبد خمسة ، والشيء ثلاثة ، تصح الهبة في ثلاثة أخماس العبد ، ويرجع إليه بالإرث نصفها ونصف العبد الذي لها وهو أربعة أخماس ، فيضم إلى الخمسين الباقيين له ، يكون ستة أجزاء ضعف الهبة .

وإن مات الأخ أولا ، صارت هبته للأخت وصية لوارث ، وتصح هبة الأخت في شيء من العبد ، ويرجع إليها ثلثها مع ثلث العبد الذي كان له ، فيجتمع لورثتها عبد وثلث عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر : عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شيء ، فتبسطها أثلاثا ، وتقلب الاسم ، فالعبد ثمانية ، والشيء أربعة وهي نصفها ، تصح الهبة في نصف العبد ، وينضم إليه [ ص: 279 ] ماله وهو عبد ، فالمبلغ عبد ونصف يعود ثلثه إلى الأخت وهو نصف عبد ، فيجتمع لورثتها عبد ضعف الهبة .

ولو عمي موتهما ولم يرث أحدهما الآخر ، صحت هبة كل واحد في نصف عبده .

مسألة : وهب لزوجته مائة لا يملك غيرها ، وأقبضها ، فأوصت هي بثلث مالها ، ثم ماتت قبل الزوج ، صحت هبته في شيء من المائة ، وصحت وصيتها في ثلث ذلك الشيء ، ويرجع إلى الزوج بالإرث نصف ذلك الباقي وهو ثلث شيء ، فيحصل عند الزوج مائة إلا ثلثي شيء وذلك يعدل شيئين ، فبعد الجبر : مائة تعدل شيئين وثلثي شيء ، فتبسطهما أثلاثا ، وتقلب الاسم ، فالمائة ثمانية ، والشيء ثلاثة ، فتصح الهبة في ثلاثة أثمان المائة ، وتصح الوصية في ثمن ، ويرجع بالإرث ثمن إلى الزوج ، فيحصل عند ورثته ستة أثمان وهو ضعف الهبة .

مسألة : وهب مريض لمريض عبدا ، وأقبضه ، ثم وهبه الثاني للأول وأقبضه ، ولا مال لهما غيره ، ثم أعتقه الأول وماتا ، قال ابن سريج : المسألة تصح من أربعة وعشرين ، لورثة الواهب الأول ثلثاه ، ولورثة الثاني ربعه ، ويعتق منه باقي الثلث وهو نصف سدسه ، قال الأستاذ : هذا خطأ عند حذاق الأصحاب ، والعتق باطل ; لأنه قدم الهبة على العتق وهي تستغرق الثلث .

وإذا بطل العتق ، صحت هبة الأول في ثلاثة أثمان العبد ، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثمنه ، فيجتمع مع ورثته ستة أثمان وهي ضعف الهبة .

وصوب الإمام ابن سريج فقال : إذا اجتمع للأول ستة أثمانه ، ثم أعتق ، فتنفيذ العتق في تمام الثلث لا ينقص حق ورثته من الثلثين ، ولا حق الموهوب له ، فيتعين المصير إليه ، وحينئذ لا بد من تعديل الثلث والثلثين ورعاية الأثمان ، فتضرب ثلاثة في ثمانية ، تبلغ أربعة وعشرين كما ذكره .

فلو أعتقه قبل هبة الثاني ، ثم وهبه الثاني ، لغا العتق ، إذ لم يصادف محلا ، إلا أن يحتمل الوقف .

[ ص: 280 ] فرع : زيادة الموهوب ونقصه ، كزيادة العبد المعتق ونقصه ، لكن ما يحسب هناك للعبد المعتق أو عليه ، يحسب هنا على ورثة الواهب ، وسنوضحه في العتق إن شاء الله تعالى .

مسألة : وهب مريض لأخيه عبدا ، ثم وهبه المتهب نصفه وهو صحيح ، ومات قبل المريض وخلف بنتا وأخاه الواهب ، فقولان .

أظهرهما عند الأستاذ : أن هبة الثاني تنحصر فيما ملكه بهبة الأول ، وتصح في جميعه ، وحسابه أن هبة المريض تصح في شيء ، ويرجع إليه بهبة الثاني ذلك الشيء كله فمعه عبد يعدل شيئين ، فالشيء نصف عبد ، فتصح الهبة في نصف العبد ، ثم يرجع إليه ، فيكون لورثته عبد تام ضعف الهبة .

والقول الثاني : أنها تشيع ، لمصادفتها ما ملكه وغيره ، فتصح في نصف ما ملك .

وحسابه : أن هبة المريض تصح في شيء من العبد ، ويرجع بهبة الثاني نصف ذلك الشيء ، ثم يرجع بالإرث نصف ما بقي وهما ثلاثة أرباع شيء ، يبقى عبد إلا ربع شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر : عبد يعدل شيئين وربع شيء ، فتبسطها أرباعا ، وتقلب الاسم ، فالعبد تسعة ، والشيء أربعة ، فتصح الهبة في أربعة أتساع العبد ، ويرجع إليه بالهبة تسعان ، وبالإرث تسع آخر ، فيجتمع لورثته ثمانية أتساع ضعف الهبة .

فرع فيما إذا وطئت الموهوبة وطئا يوجب المهر إن وطئها أجنبي بشبهة قبل موت الواهب ، فالمهر كالكسب يقسم على ما تصح [ ص: 281 ] فيه الهبة ، وعلى ما لا تصح ، فحصة ما تصح هبته لا تحسب على المتهب ، وحصة ما لا تصح تحسب على ورثة الواهب .

وإن وطئها الواهب في يد المتهب ومهرها مثل قيمتها ، صحت الهبة في شيء ، ويستحق المتهب على الواهب مثل ذلك الشيء من المهر ، فيقضى مما بقي ، يبقى جارية إلا شيئين تعدل شيئين ، فبعد الجبر : جارية تعدل أربعة أشياء ، فالشيء ربع الجارية ، تصح الهبة في ربع الجارية ، ويثبت على الواهب مثل ربعها يقضى من الجارية ، يبقى مع الورثة نصفها وهو ضعف الموهوب .

وإن وطئها المتهب ومهرها مثل قيمتها ، صحت الهبة في شيء ، وتبطل في جارية سوى شيء ، وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا ، فيحصل له جاريتان إلا شيئين يعدلان شيئين ، فبعد الجبر : جاريتان تعدلان أربعة أشياء ، فالشيء نصف جارية ، فتصح الهبة في نصفها ، ويستحق بالوطء مثل نصفها ، فيحصل للورثة جارية تامة وهي ضعف الموهوب .

وإن كان مهرها نصف قيمتها ، صحت الهبة في شيء ، وبطلت في جارية سوى شيء ، ويستحق الواهب على المتهب مثل نصف ما بطلت فيه الهبة ، وهو نصف جارية إلا نصف شيء فيجتمع عند الواهب جارية ونصف إلا شيئا ، ونصف شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر : جارية ونصف تعدل ثلاثة أشياء ونصف شيء ، فتبسطها أنصافا ، وتقلب الاسم ، فالجارية سبعة ، والشيء ثلاثة ، تصح الهبة في ثلاثة أسباع الجارية ، وتبطل في أربعة أسباعها ، ويغرم المتهب من مهرها مثل سبع قيمتها ، فيجتمع مع ورثة الواهب ستة أسباعها ضعف الموهوب .

وإن وطئها الواهب والمتهب ومهرها مثل قيمتها ، صحت الهبة في شيء وثبت للمتهب على الواهب مثل ذلك الشيء ، يبقى جارية إلا شيئين ، وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا ، فتضم إلى ما بقي للواهب ، تبلغ جاريتين إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ، فبعد الجبر : جاريتان تعدلان خمسة أشياء ، فالشيء خمس الجاريتين وهو خمسا جارية ، فتصح الهبة في خمسيها ، ويثبت للمتهب على [ ص: 282 ] الواهب خمسان آخران ، فالمبلغ أربعة أخماس ، ثم يسترجع الواهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو ثلاثة أخماس ، فيجتمع لورثته أربعة أخماس وهو ضعف الموهوب .

ولو كان مهرها مثل نصف قيمتها ، صحت الهبة في ثلاثة أثمانها ، وبطلت في خمسة أثمانها ، ويثبت للمتهب على الواهب ثمن ونصف ثمن ، فيجتمع له أربعة أثمان ونصف ثمن ، ثم يسترجع الواهب نصف ما بطلت فيه الهبة وهو ثمنان ونصف ، فيجتمع لورثته ستة أثمان وهو ضعف الموهوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية