صفحة جزء
فصل

الشرط السادس السكوت عن الكلام للمتكلم في الصلاة ، حالان :

أحدهما : بغير عذر - فينظر - إن نطق بحرف واحد ، لم تبطل صلاته . إلا إذا كان مفهما ، كقوله : ( ق ) ( ش ) فإنه تبطل ، وإن نطق بحرفين بطلت ؛ [ ص: 290 ] أفهم أم لا ؛ لأن الكلام مفهم وغيره ، ولو نطق بحرف ومده بعده فالأصح : البطلان .

والثاني : لا ، والثالث : قاله إمام الحرمين : إن أتبعه بصوت غفل لا يقع على صورة المد لم تبطل .

وإن أتبعه بحقيقة المد بطلت ، وفي التنحنح أوجه :

أصحها وبه قطع الجمهور : إن بان منه حرفان بطلت صلاته ، وإلا فلا .

والثاني ، لا تبطل وإن بان حرفان ، وحكي هذا عن نص الشافعي رحمه الله .

والثالث : إن كان فمه مطبقا لم تبطل ، وإن فتحه وبان حرفان بطلت ، وإلا فلا .

وحيث أبطلنا ، فذلك إذا كان بغير عذر . فإن كان مغلوبا ، فلا بأس ، ولو تعذرت القراءة إلا بالتنحنح تنحنح ، وهو معذور .

وإن أمكنت القراءة وتعذر الجهر إلا بالتنحنح ، فليس بعذر على الأصح .

ولو تنحنح الإمام وظهر منه حرفان ، فهل للمأموم أن يدوم على متابعته ؟ وجهان :

أصحهما : نعم . لأن الأصل بقاء العبادة ، والظاهر أنه معذور .

وأما الضحك والبكاء والنفخ والأنين ، فإن بان منه حرفان بطلت وإلا فلا ، وسواء بكى للدنيا أو للآخرة .

الحال الثاني : في الكلام بعذر فمن سبق لسانه إلى الكلام من غير قصد ، أو غلبه الضحك أو السعال ، فبان منه حرفان أو تكلم ناسيا أو جاهلا بتحريم الكلام ، فإن كان ذلك يسيرا لم تبطل صلاته ، وإن كثرت بطلت على الأصح ، والرجوع في القلة والكثرة إلى العرف والجهل بتحريم الكلام .

إنما هو عذر في حق قريب العهد بالإسلام . فإن طال عهده به بطلت صلاته لتقصيره في التعلم ، ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم أنه يبطل الصلاة لم يكن عذرا .

ولو جهل كون التنحنح مبطلا فهو معذور على الأصح ؛ لخفاء حكمه على العوام ، ولو علم أن جنس الكلام محرم ، ولم يعلم أن ما أتى به محرم فهو معذور على الأصح ، ولو أكره على الكلام فقولان :

أظهرهما : تبطل لندوره ، وكما لو [ ص: 291 ] أكره أن يصلي بلا وضوء أو قاعدا فإنه تجب الإعادة قطعا . ولو تكلم لمصلحة الصلاة ، بأن قام الإمام في موضع القعود ، فقال المأموم : اقعد بطلت صلاته وليس هو بعذر ، فإن طريقه التسبيح ، ولو أشرف إنسان على الهلاك ، فأراد إنذاره وتنبيهه ، ولم يحصل ذلك إلا بالكلام وجب الكلام وتبطل صلاته على الأصح . ولو خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في عصره مصليا لزمه الجواب بالنطق في الحال ولا تبطل صلاته . ولو قال : " آه " من خوف النار بطلت صلاته على الصحيح .

فرع

متى ناب الرجل المصلي شيء في صلاته ، بأن رأى أعمى يقع في بئر ، أو استأذنه إنسان في الدخول ، أو أراد إعلام غيره أمرا ، فالسنة أن يسبح ، والمرأة تصفق في جميع ذلك . والتصفيق : أن تضرب بطن كفها اليمنى ، على ظهر كفها اليسرى . وقيل : تضرب أكثر أصابعها اليمنى على ظهر أصابعها اليسرى . وقيل : تضرب أصبعين على ظهر الكف . والمعاني متقاربة . والأول أشهر . وينبغي أن لا تضرب بطن كف على بطن كف . فإن فعلت ذلك على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته .

فرع

الكلام المبطل عند عدم العذر هو ما سوى القرآن والذكر والدعاء وما في معناها . فلو أتى بشيء من نظم القرآن قاصدا القراءة ، أو القراءة مع شيء آخر ، كتنبيه الإمام أو غيره ، أو الفتح على من أرتج عليه ، أو تفهيم أمر [ ص: 292 ] كقوله لجماعة يستأذنون في الدخول : ( ادخلوها بسلام آمنين ) الحجر : 46 . أو يقول : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) مريم : 12 . وما أشبه ذلك لم تبطل صلاته ، سواء كان قد انتهى في قراءته إلى تلك الآية ، أو أنشأ قراءتها حينئذ . ولنا وجه شاذ : أنه إذا قصد مع القراءة شيئا آخر بطلت صلاته وليس بشيء . ولو قصد الإفهام والإعلام فقط بطلت صلاته بلا خلاف . ولو أتى بكلمات لا يوجد في القرآن على نظمها ، وتوجد مفرداتها ، كقوله : ( يا إبراهيم ) ( سلام ) ( كن ) بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال . وأما الأذكار والتسبيحات والأدعية بالعربية فلا يضر ، سواء المسنون وغيره . لكن ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب اجتنابه . فلو سلم على إنسان أو رد عليه السلام بلفظ الخطاب بطلت صلاته . ويرد السلام بالإشارة بيده أو رأسه ولو قال : عليه السلام ، لم يضر . ولو قال للعاطس : يرحمه الله لم يضر . ولو قال : يرحمك الله بطلت على المشهور .

فرع

السكوت اليسير في الصلاة لا يضر بحال ، وكذا الكثير عمدا ، إن كان لعذر بأن نسي شيئا فسكت ليتذكره على المذهب . وكذا إن سكت لغير عذر على الأصح . وإن سكت كثيرا ناسيا ، وقلنا : عمده مبطل ، فطريقان . أحدهما : القطع بأنه لا يضر . والثاني : على الوجهين . واعلم أن إشارة الأخرس المفهمة ، كالنطق في البيع وغيره من العقود ، ولا تبطل بها الصلاة على الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية