صفحة جزء
[ ص: 293 ] الشرط السابع : الكف عن الأفعال الكثيرة . اعلم أن ما ليس من أفعال الصلاة ضربان . أحدهما : من جنسها . والثاني : ليس من جنسها . فالأول : إذا فعله ناسيا لا تبطل صلاته ، كمن زاد ركوعا ، أو سجودا أو ركعة . وإن تعمده بطلت ، سواء قل أم كثر . وأما الثاني : فاتفقوا على أن الكثير منه يبطل الصلاة . والقليل لا يبطل . وفي ضبط القليل والكثير أوجه . أحدها : القليل ما لا يسع زمانه فعل ركعة . والكثير ما يسعها . والثاني : كل عمل لا يحتاج فيه إلى كلتا يديه ، كرفع العمامة ، وحل أنشوطة السراويل فقليل . وما احتاج إلى ذلك كتكوير العمامة ، وعقد الإزار والسراويل فكثير . والثالث : القليل ما لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة . والكثير ما يظن أنه ليس فيها . وضعف هذا بأن من رآه يحمل صبيا ، أو يقتل حية ، أو عقربا ، يتخيل أنه ليس في صلاة ، وهذا لا يضر قطعا . والرابع وهو الأصح وقول الأكثرين : أن الرجوع فيه إلى العادة . فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالإشارة برد السلام ، وخلع النعل ، ولبس الثوب الخفيف ، ونزعه ، ونحو ذلك . ثم قالوا : الفعلة الواحدة ، كالخطوة والضربة ، قليل قطعا . والثلاث : كثير قطعا . والاثنتان : من القليل على الأصح . ثم أجمعوا على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى . فإن تفرق بأن خطا خطوة ، ثم بعد زمن خطا أخرى ، أو خطوتين ثم خطوتين بينهما زمن ، وقلنا : إنهما قليل ، وتكرر ذلك مرات فهي كثيرة ، لم يضر قطعا . وحد التفريق : أن يعد الثاني منقطعا عن الأول . وقال في ( التهذيب ) : عندي أن يكون بينهما قدر ركعة . ثم المراد بالفعلة الواحدة التي لا تبطل ، ما لم يتفاحش ، فإن أفرطت كالوثبة [ ص: 294 ] الفاحشة أبطلت قطعا . وكذا قولهم : الثلاث المتوالية تبطل . أراد : والخطوات ونحوها . فأما الحركات الخفيفة ، كتحريك الأصابع في سبحة ، أو حكة ، أو حل وعقد ، فالأصح : أنها لا تضر وإن كثرت متوالية . والثاني : تبطل كغيرها . ونص الشافعي رحمه الله : أنه لو كان يعد الآيات في صلاته عقدا باليد لم تبطل ، ولكن الأولى تركه . وجميع ما ذكرنا إذا تعمد الفعل الكثير ، فأما إذا فعله ناسيا ، فالمذهب والذي قطع به الجمهور : أن الناسي كالعامد . وقيل : فيه الوجهان في كلام الناسي . وقيل : أول حد الكثرة لا يؤثر . وما زاد وانتهى إلى السرف فعلى الوجهين . هذا كله حكم الفعل في غير شدة الخوف . أما فيها فيحتمل الركض والعدو للحاجة . وفي غير الحاجة كلام يأتي في بابها إن شاء الله تعالى . وإن قرأ القرآن من المصحف في الصلاة لم يضر ، بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة كما سبق . ولو قلب الأوراق أحيانا لم يضر . ولو نظر في مكتوب غير القرآن ، وردد ما فيه في نفسه لم تبطل صلاته . ولنا وجه : أن حديث النفس إذا كثر أبطل الصلاة ، وهو شاذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية