صفحة جزء
فصل

وجدته عنينا فرفعته إلى القاضي وادعت عنته ، فإن أقر بها أو أقامت بينة على إقراره بها ، ثبتت . وإن أنكر ، حلف ، فإن حلف ، لم يطالب بتحقيق ما قاله بالوطء ، وامتنع الفسخ ، ويعود ما سبق أنه هل يطالب بوطأة واحدة ؟ وإن نكل ، فثلاثة أوجه . أصحها : ترد اليمين عليها ، ولها أن تحلف إذا بان لها عنته بقرائن الأحوال وطول الممارسة . والثاني : يقضى عليه بالنكول ، وتضرب المدة بغير يمين . والثالث : لا ترد عليها ولا يقضى بنكوله . وحكى أبو الفرج وجها أن تحليف الزوج لا يشرع أصلا بناء على أن اليمين لا ترد عليها وهو ضعيف ، ثم ثبوت العنة لا يفيد [ ص: 198 ] الخيار في الحال ، لكن القاضي يضرب للزوج مدة سنة يمهله فيها ، وابتداؤها من وقت ضرب القاضي لا من وقت إقراره ; لأنه مختلف فيه ، وإنما تضرب المدة إذا طلبت المرأة ، لكن لو سكتت وحمل القاضي سكوتها على دهشة أو جهل ، فلا بأس بتنبيهها ثم قولها : أنا طالبة حقي على موجب الشرع ، كاف في ضرب المدة ، وإن جهلت تفصيل الحكم ، وسواء في المدة الحر والعبد ، فإذا تمت السنة ولم يصبها ، لم ينفسخ النكاح ، وليس لها فسخه ، بل ترفعه ثانيا إلى القاضي . وعن الإصطخري ، أن لها الفسخ بعد المدة ، والصحيح الأول .

وإذا رفعته إليه ، فإن ادعى الإصابة في المدة ، حلف ، فإن نكل ، ردت اليمين على المرأة ، وفيه الخلاف السابق . وإذا حلفت ، أو أقر أنه لم يصبها في المدة ، فقد جاء وقت الفسخ ، فإن استمهل ثلاثا ، فهل يمهل ؟ فيه الخلاف المذكور في الإيلاء . وفي استقلالها بالفسخ وجهان . أصحهما : الاستقلال كما يستقل بالفسخ من وجد بالمبيع تغيرا وأنكر البائع كونه عيبا ، وأقام المشتري بينة عند القاضي . والثاني : أن الفسخ إلى القاضي ; لأنه محل نظر واجتهاد ، أو يأمرها بالفسخ ، وهذان الوجهان في الاستقلال بعد المرافعة ، والوجهان السابقان في فصل العيوب مفروضان في الاستقلال دون المرافعة .

وإذا قلنا : لها الفسخ بنفسها ، فهل يكفي لنفوذ الفسخ إقرار الزوج ، أم لا بد من قول القاضي : ثبتت العنة أو ثبت حق الفسخ فاختاري ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثاني . ولو قالت : اخترت الفسخ ، ولم يقل القاضي : نفذته ، ثم رجعت ، هل يصح الرجوع ويبطل الفسخ ؟ وجهان في " مجموع ابن القطان " . أصحهما : المنع . ويشبه أن يكون هذا الخلاف مفرعا على استقلالها بالفسخ ، أما إذا فسخت بإذن ، فإن الإذن السابق كالتنفيذ .

[ ص: 199 ] فرع

إنما تحسب [ المدة ] إذا لم تعتزل عنه . فإن اعتزلت أو مرضت ، لم تحسب . ولو سافرت حبست على الأصح لئلا يدافع المطالبة بذلك . وإذا عرض ما يمنع الاحتساب في أثناء السنة وزال ، فالقياس أن يستأنف السنة أو ينتظر مضي مثل ذلك الفصل في السنة الأخرى .

فرع

الفسخ بالعنة بعد ثبوتها ، كالفسخ بسائر العيوب ، والمذهب أنه على الفور ، ويجيء فيه الخلاف السابق هناك . وإذا رضيت بالمقام معه بعد مضي المدة ، يسقط حقها من الفسخ ، ولا رجوع لها إليه . فإن فسخت في أثناء المدة ، لم تنفذ . وإن أجازت ورضيت بالمقام معه في المدة ، أو قبل ضرب المدة ، فالأظهر أنه لغو ، ويثبت لها الخيار بعد المدة . وإن رضيت بعد المدة ثم طلقها رجعيا ثم راجعها ، لم يعد حق الفسخ ; لأنها رضيت بعنته في هذا النكاح ، ويتصور الطلاق الرجعي بغير وطء يزيل العنة ، بأن يستدخل ماءه ، أو يطأها في الدبر ، فتجب العدة وحكم العنة باق . ولو بانت بانقضاء العدة ، أو كان الطلاق بائنا ، أو فسخت النكاح ، ثم تزوجها ثانيا ، ففي تجدد حق الفسخ قولان . أظهرهما : التجدد ; لأنه [ ص: 200 ] نكاح جديد ، وتضرب المدة ثانيا .

ولو نكح امرأة ابتداء ، وأعلمها أنه عنين ، فقال صاحب الشامل وغيره : هو على القولين . وذكر البغوي ، فيما إذا نكح امرأة ابتداء وهي تعلم أنه حكم بعنته في حق امرأة أخرى ، طريقين . أحدهما : على القولين . والثاني : القطع بالثبوت ; لأنه قد يعجز عن امرأة دون أخرى . ولو نكح امرأة أو أصابها ثم أبانها ثم نكحها وعن عنها ، فلها الخيار قطعا ; لأنها نكحته غير عالمة بعنته

فرع

إذا ادعت امرأة الصبي والمجنون العنة ، لم تسمع دعواها ولم تضرب مدة ; لأن المدة والفسخ يعتمدان إقرار الزوج أو يمينها بعد نكوله ، وقولهما ساقط . ونقل المزني أنه إن لم يجامعها الصبي ، أجل ، ولم يثبته عامة الأصحاب قولا وقالوا : غلط المزني . وإنما قال الشافعي في " الأم " والقديم : إن لم يجامعها الخصي ، أجل ، وهذا المذكور في الخصي تفريع على أنه لا خيار بالإخصاء أو رضيت به ووجدته مع الإخصاء عنينا ، وإلا ، فالخيار في الخصي لا تأجيل فيه كالجب . وحكى الحناطي وجها أن المراهق الذي يتأتى منه الجماع ، تسمع دعوى التعنين عليه وتضرب له المدة ، وبه قال المزني وهو ضعيف .

[ ص: 201 ] فرع

جن الزوج في أثناء السنة ، ومضت السنة وهو مجنون ، فطلبت الفرقة ، لم تجب إليها ; لأنه لا يصح إقراره .

فرع

مضت السنة فأمهلته شهرا أو سنة أخرى ، فوجهان . أحدهما وبه قال ابن القطان وغيره : لها ذلك ، ولها أن تعود إلى الفسخ متى شاءت ، كما إذا أمهل بعد حلول الأجل لا يلزم الإمهال ، والصحيح بطلان حقها بهذا الإمهال لأنه على الفور .

فرع

إذا فسخت بالعنة ، فلا مهر على المشهور ; لأنه فسخ قبل الدخول . وفي قول : يجب نصف المهر ، وفي قول : كله ، حكاهما صاحب " التقريب " عن حكاية الإصطخري .

التالي السابق


الخدمات العلمية